ولا يخفي أنّه لا يندفع هذا الإشكال بفرض معارضة الاستصحاب في المنشأ أعني الوجوب وسقوطه بها ، فإنّ ذلك لا يصحّح جريان الاستصحاب في الجزئيّة بعد كون العمل في حال اليقين إنّما هو مضاف إلى يقين الوجوب دون يقين الجزئيّة ، كما لا يندفع أيضا بأنّ الاستصحاب المثبت أو النافي للجزئية يلزمه الإثبات أو النفي في المنشأ ؛ إذ لا يجتمع وجود الجزئيّة مع عدم الوجوب ولو في الظاهر ، ولا عدمها مع الوجوب كذلك ، فإن هذه النتيجة فرع عدم المانع عن أصل الجريان ، وما ذكرنا موجب لعدم انطباق مورد الأدلّة على الشكّ في الجزئيّة المسبوق باليقين.
واجيب عن الإشكال أوّلا : بأنّ حاله ليس بأدون من استصحاب الموضوع كحياة الزيد ، فإنّ العمل أوّلا وبالذات لحكم الشرع عليه بكذا وإسناده أوّلا إلى يقين الحكم ، وثانيا إلى يقين الموضوع ، فكما صحّ هناك هذه المسامحة ولم يوجب خروجه عن مورد الدليل ، فليكن الحال في المقام أيضا كذلك ؛ إذ ليس المسامحة في إسناد عمل الوجوب على العشرة من حيث إضافته إلى كلّ من الآحاد إلى جزئيّة كلّ واحد إلّا مثل تلك المسامحة ، فكما يصحّ أن يقال : إنّه يعمل العمل لأجل كونه متيقّنا بوجوبه الضمني ، كذلك يصحّ أن يقال لأجل جزئيّته للمأمور به.
وثانيا : نمنع عدم العمل للجزئيّة والشرطيّة ونحوهما ، فإنّ عنوان صحّة العمل وفساده لا يتحقّق بالجعل الأوّلي ، وإنّما ينتزع من الجزئيّة والشرطيّة ، فهما متأخّران في الانتزاع عن انتزاع الجزئيّة والشرطيّة ؛ فإنّ الصحّة عبارة عن كون العمل موافقا للمأمور به في الأجزاء والشرائط ، والفساد عبارة عن خلافه ، وهكذا نفس الصحّة والفساد ، فإنّ عنوان الإجزاء وعدمه مترتّبان عليهما.
وحينئذ نقول : لا شبهة أنّ هذه العناوين أعني الجزئيّة وشبهها قابلة للجعل ، غاية الأمر تبعا ، فكما أنّ جاعل الأربعة جاعل للزوجيّة ويصحّ أن يقال : جعل