بخلاف المقام غير فارق.
بيان ذلك أنّكم قلتم في وجه التمسّك هناك : إنّا نجمع بين دليل المقيّد وظهور المطلق بحمل المطلق على الإرادة الإنشائيّة المنشأة بغرض التوطئة وضرب القانون ، وهي محفوظة كما كانت من غير تصرّف فيها ، غاية الأمر التصرّف في أصل عقلائي آخر وهو الأصل الحاكم بتطبيقها على الجدّ ، ففي كلّ مورد ظهر خلاف هذا الأصل نرفع اليد عنه ويبقي في غيره على حاله.
وبالجملة ، دليل المقيّد يحكي عن ثبوت الإرادة الجديّة على خلاف المطلق في مورده ، لا عن كون المطلق مستعملا في غير الإطلاق ، وحينئذ فظهور المطلق في استعماله في الإطلاق يبقي بلا مزاحم ، فيحمل على الإرادة الإنشائيّة المنطبقة مع الجدّ تارة والمنفكّة عنه اخرى.
وبعبارة اخرى : كون المتكلّم في مقام البيان من حيث الإرادة الإنشائيّة التوطئيّة لا ينثلم بظهور المقيّد ، والذي تفيده المقدّمات ليس إلّا ظهور المطلق في هذه الإرادة ، وتطبيقها على الجدّ خارج من وظيفة المقدّمات ، ويكون بمقتضى الأصل العقلائي الآخر.
وحينئذ فنقول : عين هذا المعنى جار في المقام ، فإنّ ظهور المقيّد في بعض الأزمان لا ينثلم بسببه ظهور المطلق في بقاء الإرادة الإنشائيّة ، فإنّها كما عرفت باقية بحالها غير مرتفعة في زمان من الأزمنة ، وإنّما التصرّف في أصالة الجدّ.
وبالجملة ، حال معنى البقاء الذي يفيده المقدّمات هنا حال العموم البدلي أو الاستغراقي الذي يفيده في الأفراد العرضيّة ، فكما أنّ مصبّ الأخيرين هو الإرادة الإنشائيّة ، فكذلك الأوّل بلا فرق.
وحاصل الكلام أنّه كلّما كان الحال في الاستثناء المتّصل هو الأخذ بالثاني ، فالحال في المنفصل أيضا كذلك ، والإشكال الوارد في الثاني مدفوع ، مثلا لو قال : كل هذا الرغيف إلّا هذا الجزء ، فاللازم أخذ البقيّة ، وكذلك لو ورد منفصلا عدم جواز أكل ذلك الجزء ، فإنّه يؤخذ بدليل : كل هذا الرغيف ، بالنسبة إلى البقيّة.