ترك الامتناع من التوضّؤ بالماء المذكور بعد ما كان ممتنعا منه ، كنّا تابعين لنظر العرف دون نظر العقل ، كما في اختلافهما في تشخيص مصداق الدم في اللون ، حيث يراه العقل مصداقا ، ولا يراه العرف ، فكما نتّبع في ذاك الباب طريقة العرف ونقول بعدم نجاسة اللون من هذه الجهة ، نقول هنا أيضا بأنّ المعيار في الوحدة هي الوحدة العرفيّة بالطريق الثالث ، دون الوحدة العقليّة ودون العرفيّة الدليليّة.
وهذا لا إشكال فيه بناء على مذاق من يقول بأنّ العناوين الواقعة في لسان الشارع يقع عبرة ومرآتا للأفراد العرفيّة ، بمعنى أنّ الشارع ينظر بها إلى الأفراد بالنظر العرفي المسامحي ، لا الدقّي العقلي ، فيقع حكمه بالدقّة على المصاديق العرفيّة للعناوين.
وإنّما الإشكال يكون بناء على مذاق آخر في المسألة وهو أنّ العناوين يجب أخذ مفهومها ومدلولها اللفظي من العرف لو وقع الاختلاف بين الحقيقة الواقعيّة للشيء وبين مدلوله ومتفاهمه من لفظه ، كما في حقيقة الدم والماء ومدلولي لفظهما في اللون والماء الممزوج بمقدار كثير من التراب ، حيث إنّ الحقيقة الواقعيّة بخواصّها وآثارها باقية في الموردين ، ولكن لا يصدق مفهوم لفظي الماء والدم.
ووجهه أنّ الواضع هو العرف وهم ينتزعون من المصاديق الخاصّة بخصوصيّة مفقودة في الموردين ـ كالكون ذا جسميّة محسوسة أو غير ممزوج بشيء آخر بمقدار ـ جامعا ويضعون اللفظ لهذا الجامع ، هذا في الموارد التي يكون بين العرف والعقل اختلاف مفهومي.
وأمّا في ما إذا لم يكن بينهما اختلاف في المفهوم كالبيع والباطل ، فإنّ المبادلة المسببيّة ومقابل الحقّ أمران غير قابل للاختلاف بين العقل والعرف ، وإنّما الاختلاف في تعيين أسباب هذين المسبّبين ، ففي هذه الموارد نقول : إنّ نظر الشارع حين الخطاب تعلّق بالمصاديق الحقيقيّة لهذه العناوين.
وأمّا وجه كوننا آخذين بنظر العرف ما لم يرد تخطئة من الشرع فهو من باب تقرير الشارع وعدم تخطئته لنظرهم ، كما في سائر السير العرفيّة الغير المخطئة في لسان الشارع.