موضوع حكم العقل ؛ فإنّ العقل لا يحكم بالاشتغال ووجوب الاحتياط بإتيان جميع الأطراف إلّا لأجل الخوف وعدم الأمن بدونه من العقاب والأمن معه منه ، فموضوع حكمه إنّما هو الخوف وعدم الأمن ، فإذا ورد التأمين من الشارع فلا يبقى للعقل حكم بالاحتياط ؛ إذ لا يعقل زيادة الفرع على الأصل ، والترخيص في بعض الأطراف أيضا تأمين ، بمعنى أنّه لو كان في الواقع التكليف في هذا البعض لما كان للمولى المؤاخذة عليه ، لمنافاة ذلك مع ترخيصه ، فمجيء الترخيص علّة لرفع الخوف الذي هو موضوع حكم العقل وجدانا ، فله الورود على حكم العقل ، فإذا تقرّر إمكان ورود الترخيص الشرعي على إتيان البعض وترك البعض يقع الكلام ثانيا في وقوعه وعدم وقوعه واستفادة ذلك من الأدلّة أعني أخبار البراءة الشرعيّة وعدم الاستفادة.
__________________
ـ بثبوت المراتب للأحكام وهبوطها حينئذ عن درجة الفعليّة إلى الشأنيّة بواسطة الكسر والانكسار ، أو القول ببقائها على الفعليّة ورفع المنافاة بدخالة لحاظ التجريد عن الشكّ في عروضها على متعلّقاتها ، كدخالة لحاظ التجريد عن الخصوصيات في عروض الكليّة على الطبائع ، وذلك لأنّ الغرض الواقعي على كلّ حال فعلي مطلق لا دخالة للعلم والجهل فيه ، وإلّا يلزم التصويب الباطل ، فالهبوط عن الفعليّة على الأوّل ودخالة صفة التجريد لحاظا لا قيدا على الثاني إنّما هما بالنسبة إلى التكليف دون الغرض الباعث عليه.
وممّا ذكرنا تبيّن أنّه لا يقاس الترخيص في بعض أطراف العلم الإجمالي بالترخيص في جميعها أو بالترخيص في مخالفة العلم التفصيلي ، وذلك لأنّه مع حدوث المزاحم في الأخيرين فلا محالة يزاحم نفس مورد التكليف ، فيوجب تقييد الغرض الباعث على التكليف ، وهو تصويب في الأوّل منهما ، ومع عدمه يكون ترخيصا في القبيح، بخلاف الترخيص في البعض ، فإنّه ممكن مع سلامته عن المحذورين.
نعم يمكن حدوث المزاحم في جميع الأطراف أيضا ، لكن من غير جهة الشكّ ، كما توقّف حفظ الحياة على مناولة الجميع ، فيوجب تقييد الواقع ، كما أنّ ذلك في العلم التفصيلي أيضا واضح الإمكان والوقوع. منه قدسسره الشريف