الثالث : ان لفظ العموم وضع لارادة جميع الأفراد الداخلة تحت العموم وبعبارة اخرى : ان اللفظ الموضوع اذا تلفظ به اللافظ له دلالات ثلاثة ، الاولى : الانتقال من ذلك اللفظ الى الموضوع له وهذا الانتقال يحصل من الانس الذهني الحاصل من كثرة الاستعمال ، الثانية : الارادة الاستعمالية أي يفهم من اللفظ بحسب التعهد الوضعي ان المتكلم أراد من اللفظ الكذائي المعنى الفلاني.
الثالثة : الارادة الجدية أي ان الارادة الاستعمالية مطابقة مع الارادة الجدية والدلالة الثانية كما قلنا حاصلة من التعهد الوضعي ، والدلالة الثالثة حاصلة من حكم العقلاء حيث انهم ما دام لم يقم دليل على الخلاف يحكمون بأن الارادة الاستعمالية في كلام المتكلم موافقة مع ارادته الجدية فيحمل لفظ العالم في قول المولى «اكرم كل عالم» مثلا على أن المولى أراد من هذا اللفظ جميع العلماء بلا فرق بين عدو لهم وفساقهم فلو قام دليل منفصل عن العام وخصصه كقول المولى منفصلا «لا تكرم الفساق من العلماء» يعلم ان المولى لم يرد بارادته الجدية الا العدول من العلماء وبهذا المقدار ترفع اليد عن الدليل الاول لكن ظهور العلماء في جميع الافراد باق على حاله فان الشيء لا ينقلب عما هو عليه وإلّا يلزم الخلف
وببيان واضح : مقتضى اصالة الحقيقة ان اللفظ يستعمل فيما وضع له ومقتضى الأصل العقلائي كما ذكرنا تطابق الارادة الاستعمالية مع الارادة الجدية فلو قال المولى «اكرم العلماء الا الفساق منهم» لا يتحقق ظهور للفظ العموم الا في العدول من العلماء وأما في المخصص المنفصل فيتحقق ظهور لفظ العموم في جميع الافراد الداخلة تحت مدخول الكل مثلا فبمقدار قيام الدليل على الخلاف ترفع اليد وبالنسبة الى الباقي يحكم بكونه مرادا جديا للمولى وعليه لو شك في التخصيص الزائد يدفع باصالة العموم اذ المفروض ان المولى أراد العموم ولم يقم دليلا على خلافه إلّا بالمقدار الخاص.