الجهة الثانية في تعيين الواضع :
ربما يقال ان الواضع هو الله تبارك وتعالى بتقريب ان الوضع أمر متوسط بين الأمور التكوينية والأمور التشريعية فان الامور التكوينية امور خارجية لا تنالها يد التشريع كالجوع والعطش والالم واللذة والامور التشريعية امور مجعولة شرعية لا تنالها يد التكوين كالوجوب والحرمة والاباحة والوضع لا تكويني محض ولا تشريعي كذلك فانه يلهم الانسان فهم الالفاظ وقوة التلفظ بها وقال في كتابه الكريم (خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ)(١) ويرد على هذا التقريب انه لا واسطة بين الأمرين فان الامور اما تكوينية كالجواهر والأعراض واما تشريعية كالاحكام التكليفية والوضعية والامور التكوينية كلها بيده تعالى ونعم ما قال الحكيم السبزواري.
ازمة الامور طرا بيده |
* |
والكل مستمدة من مدده |
فكل صنعة قائمة بالمكلف وكل فعل صادر منه بارادته ومشيته التكوينية ولا نلتزم بالجبر بل نقول جميع الامور تنتهى اليه فلا فرق بين فهم المعاني ووضع الالفاظ والتلفظ بها وبقية الامور كالجوع والعطش والأكل والشرب فان كلها بالهامه واحاطته وارادته كما قال الله تعالى (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً)(٢).
وأما قوله تعالى (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ)(٣) لا يدل على مدعى الخصم بل يدل على أن الخلق والنطق كبقية الامور تحت قدرته ومنه واليه فلا يكون الواضع هو الله تبارك وتعالى ويتوقف معرفة الواضع على معرفة الوضع اذ لو اتضح معنى الوضع يتضح انه من الواضع فان الواضع مشتق
__________________
(١) الرحمن / ٣ و ٤
(٢) النحل / ٦٨
(٣) الرحمن / ١ الى ٤