تخيير المجتهد ، بأن يختار أحدهما ويفتي به معيّنا ، لا الفتوى بالتخيير حتّى يكون المقلّد مختارا في أخذ مؤدّى أحد الخبرين ، لأنّ ذلك ليس من وظيفته.
وثانيا : أنّه يلزم على هذا التبعيض في مبادئ الأدلة ، بيان ذلك : أنّه لمّا كان وجه رجوع المقلّد إلى المجتهد عجزه عن تحصيل مؤدّى الأدلّة والأصول لزم أن نقتصر على مقدار عجزه ، فإذا قدر المكلّف على استنباط بعض مقدّماتها وعلم به استغنى عن المجتهد بالنسبة إلى هذه المقدّمة ويأخذ بما يستنبطه المجتهد في باقي المقدّمات ويعمل على ما يحصل من مجموعها ، وربّما يكون مخالفا لفتوى المجتهد ، مثلا لو أفتى المجتهد بوجوب التيمّم على التراب لقوله تعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً)(١) لاختياره كون الصعيد هو التراب ، ولكن المقلّد يقطع بأنّ الصعيد مطلق وجه الأرض ، فيأخذ عن المجتهد جميع ما هو عاجز عن فهمه من مقدّمات المسألة مثل أنّ ظاهر الكتاب حجّة ، والأمر للوجوب ، وأنّ المراد ب (لَمْ تَجِدُوا) لم تتمكّنوا من الاستعمال وغير ذلك ، ويبني على جواز التيمّم على مطلق وجه الأرض ، وهذا ممّا لا يلتزم به أحد حتّى أنّ المصنف صرّح في رسالة التعادل والتراجيح بذلك ، حيث جزم بأنّه إذا كان الخبران المتعارضان متعادلين بنظر المجتهد وكان أحدهما راجحا بنظر المقلّد فالعبرة بنظر المجتهد ، وليس للمقلّد الأخذ بما هو الراجح عنده.
وثالثا : أنّ كون المقلّد بل المجتهد مكلّفا بمؤدّى الأدلّة وإجراء الأصول ممنوع ، بل الحقّ المحقّق في محلّه أنّ التكليف منحصر في الأحكام الواقعية ، وليس مؤدّى الأدلّة وإجراء الأصول أحكاما مجعولة في مقابلة الأحكام الواقعيّة ، بل إنّما هي أحكام عذريّة بمعنى أنّ المكلّف معذور بعد الأخذ بها على
__________________
(١) النساء ٤ : ٤٣.