كما يشعر بالمخالفة عبارة المصنف بقوله إلّا أنّه صرّح إلى آخره ، ولا يبعد أن يريد به العقل المستقيم الذي لم يخلطه وساوس النفس والخيالات الباطلة والشبهات الفاسدة من أهل الأهواء والعقائد الكاسدة كما يشير إليه قوله في آخر كلامه : وهو الفطري الخالي عن شوائب الأوهام الذي هو حجة من حجج الملك العلّام ، إلى آخره.
ويمكن أن يريد به العقل الكامل والذهن المستقيم الحاصل لأصحاب السليقة المستقيمة والأذهان الصافية والأفكار المتينة ، لا العقول المعوجة كما هي كذلك في أغلب الناس ، ولعله يشير إلى هذا المعنى قوله وإن شذّ وجوده في الأنام ، وإلّا فالعقل الفطري بالمعنيين الأوّلين لا يشذّ وجوده البتّة ، ولا يخفى أنّه على المعنيين الأخيرين يكون مختار المحدّث البحراني تفصيلا مغايرا لمختار المحدّثين المتقدّمين.
وكيف كان ، فإنّه لم يشر في كلامه هذا إلى وجه حجية العقل الفطري وعدم حجية غيره ، ولعله يعتمد على ما ذكره الاسترابادي من كثرة الخطأ في الأحكام العقلية إذا لم تكن حاصلة من العقل الفطري بقرينة استحسانه لكلام السيد الجزائري المستحسن لما ذكره الأمين الاسترابادي.
ويمكن أن يكون نظره إلى الأخبار الآتية في الدليل الثاني مثل «أنّ دين الله لا يصاب بالعقول» (١) وأضرابه بالنسبة إلى العقل غير الفطري ، وإلى مثل «العقل ما عبد به الرحمن» (٢) ونحوه بالنسبة إلى العقل الفطري.
وبالجملة : فكلامه ككلام غيره من أصحابه لا يخلو من الاضطراب فيما
__________________
(١) المستدرك ١٧ : ٢٦٢ / أبواب صفات القاضي ب ٦ ح ٢٥.
(٢) الكافي ١ : ١١ / ٣ من كتاب العقل والجهل.