أجاب به عن استدلال المنكرين للملازمة بقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١) ما لفظه : وذلك لأنّ استلزام الحكم العقلي للحكم الشرعي واقعيا كان أو ظاهريا مشروط في نظر العقل بعدم ثبوت منع شرعي عنده من جواز تعويله عليه ، ولهذا يصحّ عقلا أن يقول المولى الحكيم لعبده : لا تعوّل في معرفة أوامري وتكاليفي على ما تقطع به من قبل عقلك أو يؤدي إليه حدسك ، بل اقتصر في ذلك على ما يصل منّي إليك بطريق المشافهة أو المراسلة أو نحو ذلك ، ومن هذا الباب ما أفتى به بعض المحقّقين من أنّ القطّاع الذي يكثر قطعه بالأمارات التي لا توجب القطع عادة يرجع إلى المتعارف ولا يعوّل على قطعه الخارج منه ، فإنّ هذه إنّما يصحّ إذا علم القطّاع أو احتمل أن يكون حجية قطعه مشروطة بعدم كونه قطّاعا ، فيرجع إلى ما ذكرناه من اشتراط حجيّة القطع بعدم المنع ، لكن العقل قد يستقلّ في بعض الموارد بعدم ورود المنع الشرعي لمنافاته لحكمة فعلية قطعية ، وقد لا يستقل بذلك لكن حينئذ يستقلّ بحجّية القطع في الظاهر ما لم يثبت المنع ، انتهى (٢).
وكلامه هذا موافق للتحقيق الذي قد مرّ سابقا وسنشير إليه أيضا من أنّ حجية القطع مجعول بجعل عقلي لا منجعل على ما اختاره المصنف.
ولكن يرد عليه : أنّ تقييد عدم اعتبار قطع القطّاع بما إذا علم أو احتمل أن يكون حجية قطعه مشروطة بعدم كونه قطّاعا لا وجه له ، فإنّه وإن لم يحتمل عدم حجية قطعه أصلا يمكن لنا الحكم بعدم حجية قطعه ، غاية الأمر أنّه لا يمكن ردعه عن العمل بقطعه لأنّه لا يحتمل عدم حجّيته فلا يرتدع بقولنا ، وذلك لا
__________________
(١) الإسراء ١٧ : ١٥.
(٢) الفصول الغروية : ٣٤٣.