أحد الحكمين يجب الالتزام به حتى لو كان الالتزام بكليهما ممكنا كان واجبا احتياطا لإدراك الواجب الواقعي في البين ، ولمّا لم يمكن كلاهما لزم أحدهما بحكم العقل كما في الشبهة المحصورة إذا تعذر الاجتناب عن جميع الأطراف يجب الاجتناب عن بعضها بقدر الإمكان.
وأمّا التخيير على الوجه الثالث من الوجوه السابقة وهو الالتزام بأحد الاحتمالين تعيينا على ما يختاره نظير التخيير بين الخبرين المتعارضين ، فهو ممنوع منه لأنه يستلزم التشريع المحرّم ، إذ المفروض أنّه لم يعلم بالوجوب أو الحرمة بالخصوص فكيف يلتزم بأحدهما بالخصوص معيّنا ، هذا إذا فسّر التشريع بإدخال ما لم يعلم أنّه من الدين في الدين ، وإن فسّر بإدخال ما ليس من الدين في الدين فما نحن فيه داخل أيضا فيما هو مناط التحريم في التشريع المصطلح المستدلّ عليه بمثل قوله تعالى : (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)(١) ونحوه كما لا يخفى.
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا وجه لمقايسة ما نحن فيه بالخبرين المتعارضين ، لأنّ الدليل دلّ هناك على تصديق كلّ خبر خبر بالخصوص ، فلمّا لم يمكن ذلك في المتعارضين يحكم العقل بالتخيير ، سواء قلنا بكون حجية الخبرين من باب الموضوعية أو الطريقية على التحقيق في محلّه ، وإن ضايقت عن التخيير العقلي على الطريقية كما عند المصنف فبالتخيير الشرعي ، وهذا بخلاف ما نحن فيه إذ لا دليل على وجوب الالتزام بهذا النحو بالنسبة إلى كلّ حكم بالخصوص ، ولو كان دليل على وجوب الالتزام بهذا النحو قد عرفت أيضا أنّه لا ينتج سوى التخيير على وجه الاحتياط ، وكذا ظهر بطلان المقايسة بتخيير المقلّد بالرجوع
__________________
(١) يونس ١٠ : ٥٩.