التخيير الاستمراري ، لأنّ مفاد الآية لا يزيد على رجوع غير العالم إلى العالم في الجملة ، وليس ناظرا إلى صورة تعدد العالم واختلافهم في الفتوى ودوران أمر المقلّد بين الرجوع لهذا أو ذاك ، هب أنّه دالّ بإطلاقه على جواز الرجوع لمطلق أهل الذكر ويلزمه التخيير في الصورة المفروضة ، إلّا أنّه في ابتداء الأمر وبعد الرجوع إلى أحدهما فهو عالم بالحكم لا يجوز له الرجوع إلى غيره إلّا بدليل ، وإن كان الدليل هو الإجماع فالقدر المتيقّن هو التخيير الابتدائي ، وكذا لو كان الدليل حكم العقل بالتخيير ، فافهم.
ثم لا يخفى أنّ ما اختاره المصنف (رحمهالله) في رسالة أصل البراءة من التوقّف مخالف لما اختاره هنا من التخيير ، نعم يمكن أن يقال بعدم جواز الرجوع إلى أصالة الإباحة والبراءة ولزوم الأخذ بالتخيير بوجه آخر دقيق مبنيّ على مقدمة قد مرّ ذكرها سابقا ، وهي أنّ الأحكام الواقعية غير المقيّدة بالعلم والجهل يجوز العقاب عليها إلّا أن يعتذر المكلّف بعذر مقبول عقلا أو شرعا ، فمطلق الجهل بها لا يرفع عقاب المخالفة إلّا أن يكون الجهل عذرا صحيحا ، وحينئذ نقول فيما نحن فيه بعد ما علم المكلّف بأنّ للشارع في هذا الموضوع حكما إلزاميا مرددا بين الوجوب والحرمة ، فلو بني الأمر على التخيير بحكم العقل أو الشرع واختار أحد الحكمين وعمل به فقد أتى بما يمكنه ان يعتذر به على تقدير المخالفة.
وأمّا لو بنى الأمر على عدم الوجوب والحرمة واختار الفعل أو الترك فإن صادف الواقع وإلّا فيصحّ عقابه على المخالفة لأنّه لا عذر له.
لا يقال : له أن يعتذر بأصل البراءة.
لأنّا نقول : لا تجري أصالة البراءة مع العلم بجنس التكليف وإن اشتبه