بذلك الحد واطّلع على القرائن الداخلة أصابه من أصابه وأخطأه من أخطأه.
ويبقى الكلام في وجه اعتبارهم عدم انضمام القرائن الخارجية إلى الخبر في حصول العلم ، وقد جعلوا منها ما يستند إلى أحوال السامع ، وقولهم بأنّ انضمام القرائن الداخلة لا يقدح في تحقق التواتر إذا أفاد الخبر العلم بصدقه بملاحظتها ، واعتذر عنه في الفصول بأنّ المراد بالقرائن الداخلة ما لا ينفكّ عنه الخبر غالبا من أحوال الخبر والمخبر والمخبر عنه.
وكيف كان ، لا ريب أنّه لم يرد نصّ ولا انعقد إجماع شرعي متعلّقا بالخبر المتواتر كي يلزمنا تحقيق موضوع المتواتر ، وليست حجيّته بتعبّد شرعي أو تعبّد عرفي عقلائي أمضاه الشارع حتى يجب علينا معرفة حدوده جمعا ومنعا ، بل الوجه في اعتباره حصول العلم المسبب عنه فيدور الأمر مداره ، ولا فائدة في التعرّض لما ذكروا من شرائطه وما يعتبر فيه وما لا يعتبر بحسب ما اصطلح عليه أرباب المعقول وعلم الأصول ، بل العلم الحاصل من الخبر المتواتر ، أو الخبر الواحد المحفوف بالقرائن الخارجية أو الداخلية ، أو الحاصل من نفس القرائن بدون انضمام الخبر عندنا سواء في الحجية ، وما لم يحصل العلم لا حجة ، وإن كانت هناك أخبار متواترة في العادة والقرائن الداخلية والخارجية المفيدة للعلم لسائر الناس (١).
__________________
(١) أقول : الظاهر بل المتعيّن أنّ غرضهم في هذا المبحث تعيين ما هو من مبادئ حصول العلم نوعا حتى يصحّ بذلك إلزام الخصوم فيما ينكرونه ، ألا ترى أنّ المنطقيين الذين هم الأصل لهذا الاصطلاح بعد تقسيمهم للقياس بحسب المادة إلى البرهان والجدل والخطابة والشعر والمشاغبة والسفسطة ، وتفسيرهم للبرهان بأنّه ما أخذ مقدّماته من اليقينيات ، أخذوا في حصر مبادئ اليقين في الأوليات والمشاهدات والوجدانيات والتجربيات