المقصود بيان أنّه من مبادئ العلم الضروري كالحسّ والتجربة ، ألا ترى أنّ الحسّ أيضا قد لا يفيد العلم الفعلي لسبق حصول العلم من سبب آخر ، ويشهد لما ذكرنا أنّهم يسمّون بعض الأخبار متواترا بقول مطلق ولا يلتفتون إلى أنّه أفاد العلم لهم فعلا لعدم سبق حصول العلم أم لا ، وهذا واضح بعد التنبّه.
الرابع : ألا يكون السامع قد سبق إليه شبهة أو تقليد أدّاه إلى عدم الوثوق بالخبر ، ذكره جماعة دفعا لما أورد عليهم في دعوى تواتر معجزات نبيّنا (صلىاللهعليهوآله) وتواتر النصّ الجلي على خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) من أنّه لو كانت هذه الأخبار متواترة كانت مفيدة للعلم بالنسبة إلى المنكرين لهذه الأمور.
فأجيب عن ذلك بأنّ المنكرين كانت أذهانهم مسبوقة بالشبهة ، فلو كانت أذهانهم خالية عن الشبهة أو بذلوا جهدهم في تخلية الذهن أفادهم العلم كالمعتقدين للقضايا المزبورة. والحاصل أنّ سبق عقد القلب بالشبهة مانع عن حصول العلم وإلّا فالمقتضي تام.
قال في الفصول (١) : والتحقيق أنّ هذا الشرط شرط في حصول العلم بالتواتر لا في تحققه ، فإنّا نقطع بأنّ الأخبار المذكورة متواترة عند كثير ممّن لا يقول بمقتضاها من الكفار والمخالفين وإن أنكروا كونها متواترا لعدم إفادتها للعلم عندهم ، ولهذا نقول إنّ الحجة قد تمّت ولزمت في حقّهم ، إذ لا عبرة بشبهة الجاحد بعد وضوح مسالك الحق وظهورها ، انتهى.
وكلامه هذا يؤكد ما ذكرنا من اعتبار شأنية إفادة العلم في موضوع التواتر لا فعليتها.
__________________
(١) الفصول الغروية : ٢٦٨.