قوله : ولكن لا يخفى أنّ حمل التبيّن على تحصيل مطلق الظن أو الاطمئنان يوجب خروج مورد المنطوق وهو الاخبار بالارتداد (١).
(١) قد أشرنا إلى أنّ هذا الإيراد يرد على ما وجّهنا الآية أيضا بدلالتها على حجية مطلق الظن البالغ مبلغ خبر العادل في الوثوق ، ومحصّله : أنّ مفاد الآية على هذا بعد عدم جواز تخصيص المورد مخالف للإجماع ، للاتفاق على عدم حجية الظن بالارتداد ، بل على عدم حجية خبر غير العادل فيه ، بل على عدم حجية خبر العدل الواحد ، فيكشف ذلك عن فساد الوجه المذكور من أصله.
ويمكن أن يجاب بأنّ القدر المسلّم من الإجماع هو ترتيب جميع آثار الكفر على الاخبار بالارتداد من حكم النجاسة والقتل وغيرها ، أما مجرّد تجهيز الجيش والتوجّه إلى نحوهم واستعلام حالهم واستتابتهم لو كانوا مرتدّين وقتالهم لو لم يتوبوا في مورد الآية ونحوها في غيره فلم يقم إجماع على عدمه ، فيكون مطلق الخبر المفيد للظن أو مطلق الظن في مثله حجة بمقتضى مدلول الآية ، فلم يلزم تخصيص المورد ولا مخالفة الإجماع ، غاية الأمر لزم تقييد الآية بالنسبة إلى المورد بغير مثل القتل ونحوه.
فإن قلت : إنّ ظاهر قوله : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) هو القتال لا غير فكيف يخصّص بغيره؟
قلت : نعم الظاهر ذلك ، ولكن لا محيص عن رفع اليد عن هذا الظاهر على كل تقدير ، إذ لا يجوز قتل قوم مرتدّين عن ملّة مطلقا ولو شهد عليهم عدلان إلّا بعد عدم توبتهم عقيب الاستتابة ، فالمراد من إصابتهم ليس إلّا تجهيز الجيش إليهم واستتابتهم.
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٢٧٦.