ثم لا يخفى أنّ أصل السؤال إنّما يرد أن لو كانت الظنون الموافقة للبراءة فرضا تكليفا لشخص واحد كي يضادها العلم الإجمالي بالخلاف ، وإلّا فإن كانت هذه الظنون متعلقة بتكاليف أشخاص متعددين فالعلم الإجمالي بالخلاف في جملة المجموع غير منجز للتكليف ، وقد مرّ تحقيق ذلك في تحرير المقدمة الأولى.
ونظير السؤال المذكور يجري في مظنونات الوجوب ومظنونات الحرمة فإنّه قد يعلم إجمالا أنّ في مظنونات الوجوب محرّما وفي مظنونات الحرمة واجبا ، فإن كان ذلك بالنسبة إلى تكليف شخص واحد يجاب بالوجه الثالث.
ثم إنّه يمكن الاستدلال على المقدمة الثانية بوجه رابع وهو أنه لا وجه للرجوع إلى البراءة في كلي المسائل حتى فيما إذا كان الأصل في خصوص المسألة الاحتياط كالظهر والجمعة أو استصحاب الوجوب أو الحرمة ، لأن أدلة البراءة من عقلها ونقلها قاصرة عن شمول تلك الموارد.
لا يقال : إنّ وجه جريان البراءة كلية احتمال سقوط التكاليف في زمان
__________________
الجميع ، فيه أنّ يمكن أن يكون شرط حصول الظن من الغلبة عدم سبق حصول الظن بجملة من الأفراد ، ألا ترى أنّه إذا لقيت الفرد الأول تظن أنّه أبيض ولازمه الظن بأنّ الأسود في الباقي ، وإذا لقيت الفرد الثاني تظن بأنّه أيضا أبيض ولازمه أنّ الأسود في الباقي وهكذا إلى أن تشكّ في أنّ الأسود في الطائفة السابقة المظنونة البياض أو في الفرقة الباقية فلا يحصل الظن بعد ذلك في الأفراد الباقية إلّا مع الذهول عن المظنونات السابقة.
وأيضا لو كان الإشكال المذكور حقا لزم عدم كون الاستقراء القطعي حجة ، إذ لو لم يناف العلم التفصيلي بثبوت كل أب من تصفح الجزئيات إلى آخرها للعلم الإجمالي بثبوت بعض أليس ب كيف يمكن الاستدلال بهذه الكلية المستفادة من الاستقراء لإثبات حكم بعض الجزئيات مع أنهم اتفقوا ظاهرا على أنّ الاستقراء التام كالقياس برهان عقلي.