حصول العلم في الوقائع تدريجا لا ينافي العلم الإجمالي بخلافه في بعضها كما نشاهد بالوجدان أنّا نعلم إجمالا أنّ بعض معلوماتنا خطأ.
وبعبارة أخرى : العلم الإجمالي بالتكاليف لا ينافي العلم أو الظن التفصيلي بالبراءة ، والسالبة الكلية إنّما تناقض الموجبة الجزئية لو كانتا إجماليتين أو تفصيا ليتين أو كانت الموجبة تفصيلية والسالبة إجمالية ، أما إذا كانت السالبة تفصيلية والموجبة إجمالية فلا تناقض ، وسرّه أنّ هذه السالبة الكلية ليست سالبة كلية حقيقة بل سوالب جزئية مستغرقة متفرقة ، والفرق أنّ جميع الأفراد في السالبة الكلية ملحوظة إجمالا وفي السوالب الجزئية وإن كانت مستغرقة تفصيلا.
ولما ذكرنا مثال في الخارج يشهد الوجدان بصحته وهو أنّه لو فرضنا أنّ أهل هذه البلدة كلهم أبيض سوى واحد منهم مثلا ، فإذا لقيت في ليلة مظلمة واحدا واحدا منهم فلا شكّ أنّك تظن من لقيته أوّلا أنّه أبيض بحكم الغلبة ، وكذا من لقيته ثانيا وثالثا وهكذا إلى آخر الأفراد ، غاية الأمر أنّك تعلم بخطإ بعض ظنونك أخيرا ، ولا يمكنك أن تقول بعدم حصول الظن في كل واحد واحد من الأفراد ، إذ ما يوجب الظن وهو الغلبة نسبته إلى جميع الأفراد متساوية بالفرض ، فإما ألا يحصل الظن في فرد واحد منها أو يحصل في جميع الأفراد ، والأول مما لا يلتزم به أحد فالثاني متعيّن (١).
__________________
(١) وأنا أقول : الإنصاف عدم صحة هذا الجواب ، وما ذكر من إمكان حصول الظن تدريجا على خلاف ما علم إجمالا مسلّم إذا كان الظان في كل واقعة غافلا عن سائر ظنونه ، وأما إذا كان ملتفتا ذاكرا لجميع ما ظنه فإنّ ذلك يمتنع مع العلم الإجمالي بالخلاف ، وما ذكر في المثال من تساوي نسبة الغلبة إلى جميع الأفراد فيجب حصول الظن بالأبيض في