ومنها : قوله تعالى في أواخر سورة الحج : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ)(١) وهذه أظهر الآيات دلالة وجوابها كما في الآية السابقة بعينه (٢).
وأما السنة فيستدل أيضا بأخبار :
الأول : الخبر العلوي المروي عن عوالي اللئالي «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٣) فإنه بالتقريب الذي استدلوا به على قاعدة الميسور يدل التزاما على أنّ سقوط المعسور بالعسر مفروغ عنه ، وهو في هذا الكلام بصدد بيان عدم سقوط الميسور بعد سقوط المعسور بل يجب الاتيان بالميسور. لكن الكلام يبقى في سند الرواية فإنّه ضعيف ، وما قيل من انجباره بالشهرة مدخول بعدم الشهرة في الرواية فإنّه لم توجد روايته في غير عوالي اللئالي ، ومنع الشهرة
__________________
نعم لو قيل إنّ معنى قوله : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) لم تقدروا على الماء أو لم تتمكنوا من استعمال الماء سقط الاستدلال بالآية ، لأنّ قوله : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) في حكم الكبرى لقضية تبدل حكم الوضوء بالتيمم لأجل ضرر الوضوء ، فلا بدّ أن يراد بالحرج المتعذّر لينطبق الكبرى على الصغرى ، لكنا نقول إنّ معنى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) لم يكن تحصيل الماء عليكم حرجا بقرينة التعليل برفع الحرج.
فإن قلت : صريح القضية عدم جعل الحرج في الحكم وهذا المعنى يناسب أن يكون بيانا للحكمة الباعثة على عدم جعل الأحكام الحرجية ، وأين هذا من رفع الأحكام الثابتة في الشريعة إذا بلغت حدّ الحرج كما هو المقصود في الاستدلال.
قلت : المراد من رفع الأحكام الثابتة أيضا هو الرفع الصوري وإلّا لم يعقل رفع الحكم الثابت إلّا بالنسخ ، ففي الحقيقة يرجع الرفع أيضا إلى عدم الجعل.
(١) الحج ٢٢ : ٧٨.
(٢) أقول : قد مر ضعف الجواب وأنّ المعنى الذي حملت الآية عليه خلاف الظاهر من غير قرينة توجبه.
(٣) عوالي اللئالي ٤ : ٥٨ / ح ٢٠٥ (باختلاف يسير).