وقريب من الجواب الأخير ما قيل من أنّ العسر والحرج في الأمور إنما يختلف باختلاف العوارض الخارجية ، فقد يكون شيء عسرا وحرجا ويصير باعتبار أمر خارجي سهلا وسعة ، ومن الأمور الموجبة لسهولة كل عسر وضيق مقابلته بالعوض الكثير والأجر الجزيل ، ولا شك أنّ ما كلف به الله سبحانه يقابله ما لا يحصى من الأجر (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(١) وعلى هذا لا يكون شيء من التكاليف عسرا وحرجا ، وما لم يرض الله سبحانه فيه بأدنى مشقة يكون من الأمور التي لا يقابلها أجر ، وما كلف به من الأمور الشاقة ظاهرا فقد ارتفعت مشقتها بما وعد لها من الأجر الجميل والثواب الجزيل.
وفيه أوّلا : ما في سابقه من تحقق موضوع الحرج جزما ومنعه مكابرة.
وثانيا : يلزم سقوط قاعدة الحرج رأسا ، إذ كل مورد من موارد الحرج إن ورد فيه عموم أو إطلاق يقتضي الحكم كشف عن وجود مصلحة بالغة فيلزم أن لا يكون التكليف حرجا ، وإن لم يرد ما يثبت الحكم فالحكم منفي بالأصل ولا حاجة في رفعه إلى قاعدة الحرج.
وكيف ما كان فالإشكالان باقيان بحالهما ، والأقرب في جواب الإشكال الأول ما اختاره النراقي من التزام التخصيص في القاعدة ، وما ذكرنا في ردّه من أنّ عمومات رفع الحرج آبية عن التخصيص باعتبار كونها في مقام الامتنان يمكن دفعه بأنها مع ذلك مما يقبل التخصيص بالدليل القطعي. وأما الإشكال الثاني فلا مدفع له ظاهرا (٢).
__________________
(١) الأنعام ٦ : ١٦٠.
(٢) أقول : يمكن دفعه بأنا نرجع في موضع الحرج إلى العرف ونمنع الميزان الذي قد سبق استفادته من الأخبار المعلّلة بآية الحرج ، ونقول إن ما اشتمل عليه الأخبار ما عدا خبر