ثم اعلم أنّ المصنف (رحمهالله) يرى أنّ الأدلة الاجتهادية كخبر الواحد وظاهر الكتاب ونحوهما أيضا حاكمة على الأصول التعبدية كالاستصحاب وأصالة البراءة الشرعية ، كما أنّها واردة على الأصول العقلية كالبراءة العقلية والتخيير على ما بيّنه في أول رسالة التعادل والترجيح.
وتوجيهه : أنّ الأدلة حاكمة على الأصول وناظرة إليها بالنظر القهري بمعنى جعل الأدلة بحيث تكون لازمها رفع اليد عن مقتضيات الأصول الشرعية وإن لم يقصد ذلك حين الجعل ، لا مثل قوله (عليهالسلام) : «لا سهو في السهو» (١) و «لا سهو في النافلة» (٢) ونحوهما ، فإنّها ناظرة إلى الأحكام المجعولة للسهو بالنظر القصدي ، ولعله يظهر من المصنف أنّ القسم الأول أيضا من النظر القصدي ولا نعرف له وجها ، مع أنّ لنا كلاما في أن يكون تقديم الأدلة على الأصول من باب الحكومة ، وتحقيق ذلك كله موكول إلى محله ، فلنرجع إلى ما كنا فيه من حكومة أدلة الحرج وتقدمها على سائر الأدلة.
فنقول : لا نسلّم أنه على تقدير حكومة أدلة الحرج على أدلة التكاليف كان اللازم تقديمها عليها مطلقا ولو كان دليل المحكوم أقوى ظهورا عن الحاكم بمراتب على ما حققه ، وبيان ذلك موقوف على تمهيد مقدمة وهي أنّ الدليل الحاكم له ظهوران :
أحدهما : ظهوره في أفراد مدلوله التي منها الفرد الذي هو مادة اجتماعه مع دليل ثبوت أصل التكليف.
وثانيهما : ظهوره في تفسير سائر الأدلة وشرحها ، ولا شكّ أنّ الظهور
__________________
(١) الوسائل ٨ : ٢٤٣ / أبواب الخلل ب ٢٥.
(٢) المستدرك ٦ : ٤١٤ / أبواب الخلل ب ١٦ ح ٢.