خلاف جهته لقضية كونه علّة تامّة للقبح ويلازمه الحرمة ، إلّا أنّه يرد عليه أنّه ولو فرض كون التجري علّة تامة للقبح يمكن أن يكون الحكم الفعلي على خلاف جهته إن كان ذلك واجبا أو حراما أهمّ في نظر الشارع ، ويكون هذا من باب ارتكاب أقلّ القبيحين في صورة المزاحمة ، كما لو دار الأمر بين ارتكاب حرام أو ترك واجب مثلا مع العلم بأنّ مراعاة أحدهما أهمّ في نظر الشارع ، فإنّ الحكمين ثابتان في الواقع وقد علم بهما المكلّف إلّا أنّ أحدهما فعلي دون الآخر بالعجز عنه ، لكن هذا الإيراد لا ينفع المفصّل لأنّ كلامه ناظر إلى جهات المصالح والمفاسد المقتضية للحكم ، ولا ريب أنّه لو كان للفعل جهات للحسن والقبح مختلفة يلزم في حكمة الجعل أن يكون الحكم تابعا للراجح منها بعد المعادلة والكسر والانكسار ، فهنا حكم واحد موافق للراجح من المصالح ، وهذا بخلاف مسألة ارتكاب أقلّ القبيحين فإنّ ما هو أقلّ قبحا قبيح وحرام مجعول ، إلّا أنّ الضرورة جوّزت ارتكابه على قبحه وحرمته فرارا عن ارتكاب ما هو أقبح وأشدّ حرمة ، فهنا حكمان مجعولان لا يمكن موافقتهما جميعا ، فيقدّم الأهم والآخر معذور فيه.
قوله : مضافا إلى الفرق بين ما نحن فيه وبين ما تقدّم (١).
(١) لم يبيّن وجه الفرق ، ولعلّ وجهه أنّ قبح التجرّي بالاقتضاء فيما نحن فيه مفروض وإنّما الشك في طروّ المانع ، بخلافه في الدليل السابق فإنّ الشك كان في أصل اقتضاء التجرّي للقبح ، وهذا الفرق وإن كان صحيحا إلّا أنّه غير فارق ، إذ لا يتفاوت الأمر بعد عدم العلم بوجود العلّة التامة للحكم سواء كان من جهة الشكّ في المقتضي أو بعض أجزائه وشرائطه ، أو من جهة الشكّ في وجود
__________________
(١) فرائد الأصول ١ : ٤٤.