فالإسلام يمنع القاضي حتى من قبول الهدية (بطبيعة الحال الهدايا التي تقدم له باعتبار أنّه في مقام القضاء ، سواء قبل الحكومة والقضاء أم بعده) وقصّة الأشعث بن قيس معروفة ، حيث جاء ليلاً بهدية إلى دار الإمام عليّ عليهالسلام وهي طبق من الحلوى اللذيذة ، فقال له الإمام عليّ عليهالسلام ما هذا؟
فقال : هدية جئت بها إليك! فغضب الإمام عليهالسلام وصاح به :
«هَبَلَتْكَ الْهَبُول أَعَنْ دِيْنِ اللهِ أَتَيْتَني لِتَخْدَعَني»؟!
أي تريد أن تعطيني الرشوة باسم الهدية (١).
والملفت للنظر هو أنّ الإسلام يلعن الراشي والمرتشي والواسطة بينهما ، وقد ورد في حديث عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله : «لَعَنَ الله الرّاشِي والْمُرْتَشي وَالرّائشَ الَّذي بَيْنَهُما» (٢).
وقد وردت آيات من القرآن الكريم وبشكل مكرر تشير إلى مسألة الرشوة وتذمها ، منها قوله تعالى :
(وَلَا تأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وتُدْلُوا بِهَا الَى الْحُكَّامِ لَتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ امْوال النَّاسِ بِالأِثْمِ وَانْتُمْ تَعْلَمُونَ). (البقرة / ١٨٨)
وللفخر الرازي هنا تعبير جميل وهو أنّ «الادلاء» مأخوذ من «الدلو» وهو الإناء الذي يستخرج الماء من البئر بواسطته ، «والرشاء» بمعنى «الحبل» فكما أنّ الإنسان يستخرج الماء الموجود في الدلو بالحبل ، فكذلك الراشي يأكل أموال الناس بواسطة الرشوة التي يعطيها للقاضي.
نعم ، فالتعبير بـ «ولا تدلوا بها إلى الحكّام» تشبيه وإشارة لطيفة لهذا الموضوع.
ويستفاد أيضاً من سورة المائدة بأنّ علماء اليهود حرّفوا الأحكام الإلهيّة لمنافعهم الخاصة ، وقد ذمّ القرآن الكريم هذه الظاهرة ، فقد قال تعالى :
(وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتى ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّم يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَاولِئكَ هُمُ الْكافِرُونَ). (المائدة / ٤٤)
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٤٤.
(٢) ميزان الحكمة ، ج ٤ ، ص ١٣٥.