التّعدي والدّخول فيما حظر عليهم لأنّه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره ، فجعل عليهم فيما يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والأحكام.
ومنها : أنا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلّابقيّم ورئيس كما لابدّ لهم منه في أمر الدّين ، فلم يجز في حكم الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لابدّ لهم منه ولا قوام إلّابه ، فيقاتلون فيه عدوهم ويقسمون به فيئهم ، ويقيم لهم جمعتهم وجماعتهم ، ويمنع ظالمهم من مظلومهم.
ومنها : إنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيماً أميناً حافظاً مستودعاً لدرست الملّة وذهب الدين وغيرت السُّنة والأحكام ، ولزاد فيه المبتدعون ونقّص منه الملحدون ، وشبّهوا على المسلمين لأنا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين ، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت أنحائهم ، فلو لم يجعل لهم قيماً حافظاً لما جاء به الرّسول لفسدوا على نحو ما بيّنا وغيّرت الشرايع والسنن والأحكام والإيمان وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين (١).
٣ ـ في تفسير النعماني عن أمير المؤمنين عليهالسلام وعند ذكر آيات من القرآن الكريم ، مثل : (يَأَأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِما يُحيِيكُم). (الانفال / ٢٤)
وآية (وَلَكُم فِى القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا اولِى الأَلبَابِ). (البقرة / ١٧٩)
إنّه كان يقول : «وفي هذا أوضح دليل على أنّه لابدّ للُامة من إمام يقوم بأمرهم فيأمرهم وينهاهم ويُقيم فيهم الحدود ويجاهد العدو ، ويقسّم الغنائم ويفرض الفرائض ويعرّفهم أبواب ما فيه صلاحهم ويحذرهم ما فيه مضارهم ، إذ كان الأمر والنهي أحد أسباب بقاء الخلق ، وإلّا سقطت الرغبة والرّهبة ، ولم يُرتدع ، ولفسد التدبير وكان ذلك سبباً لهلاك العباد» (٢).
وقد ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام في حديث آخر أنّه قال : «لا يستغني أهل كلّ بلد عن ثلاثة يُفزع إليهم في أمر دنياهم وآخرتهم ، فإن عُدموا ذلك كانوا همجاً : فقيه عالم ورع ،
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٦ ، ص ٦٠ ، الرّواية طويلة لكننا انتخبنا قسماً منها.
(٢) بحار الأنوار ، ج ٩٠ ، ص ٤١.