ولا شكّ في أنّ النظام الإسلامي يختلف في هذا المضمار عن النظم المادية ، إذ لا يوجد في تلك النظم أي ضامن إجرائي غير تلك المجازاة الدنيوية والمادية ، ولذا فإنّ كل حكم فاقدٍ لمعاقبة المتخلف لا يعدُّ في نظر تلك النظم قانوناً وحكماً ، وإنّما يعتبر في نظرهم توصية أخلاقية فحسب.
وأمّا في النظم الإلهيّة ، فإنّ الاعتقادات القلبية ، والإلتزامات المعنوية والإيمان بمحكمة العدل الالهي العظيمة يوم القيامة والاعتقاد بمراقبة الله في الدنيا ، كل ذلك يعتبر من الدوافع المهمّة وضامناً إجرائياً قوياً ، ولكن لما لم يكن ذلك الداعي موثراً في كل النفوس لوحده ، كان من الضروري أن يكون إلى جنبه ضامناً إجرائياً ماديّاً ، وعقوبة دنيوية.
واهتمام الشارع المقدس بإجراء الحدود والمجازاة ضد المتخلفين وصل إلى حدٍّ بحيث ورد في الروايات المتعددة :
«حدٌّ يُقام في الأرض أزكى من مطر أربعين ليلة وأيّامها».
وهذا الحديث مروي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله وعن الإمام الباقر عليهالسلام والإمام الصادق عليهالسلام أيضاً ، وفي بعض النصوص وردت كلمة «أفضل» أو «أنفع» بدلاً عن كلمة «أزكى» (١).
ونقرأ في حديث عن الإمام السابع موسى بن جعفر عليهالسلام في تفسير قوله تعالى (يُحيي الأرض بعد مَوْتِها) قال عليهالسلام : «لَيْسَ يحييها بالقَطر ولكن يَبْعَثُ الله رجالاً فَيُحيونَ العَدْلَ فتحيى الأرضُ لاحياء العَدْلِ ثمَّ قال عليهالسلام : ولإقامَةُ الحَدّ فَيه أَنْفَعُ في الأرضِ من القَطر أربعين صباحاً».
وكيف لا يكون إجراء الحدِّ «أنفع» و «أفضل» و «أزكى» من قطر أربعين صباحاً ، وسلامة وأمن المجتمع إنّما هي في ذلك الأصل ، وأنّ جذور كل خير وبركة في إجراء الحدود ، إذ إنّ الأحكام المباركة التي تجلب الخير والنعمة والمنافع الاقتصادية لا تفيد بلا وجود أمن وأمان في المجتمع ، كما أنّ أمن المجتمع لا يحصل بدون إجراء الحدود واحقاق الحق ، ولولا ذاك لعمَّ الفساد والظلم في المجتمع ولقتل الناس بعضهم بعضاً وخُرِّبت المدن واستضعف
__________________
(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، باب ١ من أبواب مقدمات الحدود ، ح ٢ ، ٣ ، ٤.