لا يعاقب أحدٌ أكثر ممّا يستحق حتى لساعة ، ولابدّ أن تكون كل البرامج في سبيل تعليم وتربية السجين ، وبتعبير آخر ، ينبغي أن يكون السجن مركزاً للتربية والتهذيب لا مركزاً لتخريج المجرمين والحاقدين ، فلابدّ أن يتصف السجن بمواصفات درس التربية.
ومن قصة النّبيّ يوسف عليهالسلام ومدّة سجنه في مصر ، يستفاد بشكل جيد أنّ تلك السجون كانت على درجة عالية من الظلم والإضطهاد بحيث أنّ بعض السجناء كان يبقى طيلة عمره في السجن ، وفقط بعض المصادفات أو الحوادث غير المترقبة هي التي كانت تلفت انتباه الظلمة والحكام إلى السجناء ، ولو لم تقع تلك الحادثة لبقي السجين إلى آخر عمره في السجن ، بالضبط كما حصل ليوسف حيث إنّ الملك لو لم يرَ تلك الرؤيا ولو لم يعرف يوسف تفسير الأحلام ، لما التمس عزيز مصر تفسير رؤياه من يوسف ولما بعث خلفه ولبقي يوسف ، إلى آخر عمره في السجن ، في حين أنّه لم يرتكب أي ذنب ، وذنبه الوحيد هو طهارته وتقواه وعدم انصياعه لرغبات وأهواء زوجة عزيز مصر (زليخا) ، وبطبيعة الحال فإنّ هذه التقوى والطهارة ليست ذنباً صغيراً في قاموس مثل هذه البيئة المنحطة المتسافلة!
والقرآن الكريم يحدثنا كيف أن يوسف الصديق حاول أن يحوّل بيئة السجن إلى محيط للتربية والتعليم والإصلاح ، فكان يعلم السجناء درس التوحيد وعبادة الله وهو أصل كل طهارة وحسن ، فمتى ما سُئل يوسف عن مسألة بسيطة ، أو طلب منه تفسير رؤيا عابرة ، كان يطرح المعارف الإلهيّة ويبين المسائل التربوية للسجناء.
قال تعالى حكاية عن لسان يوسف :
(يَا صَاحِبَىِ السِّجْنِءَارْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ امِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ* ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ الَّا اسْماءً سَمَّيْتُمُوهَا انْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَّا انْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطانٍ انِ الْحُكْمُ الَّا للهِ امَرَ الَّا تَعْبُدُوا الَّا ايَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ اكْثَرَ النَّاسِ لَايَعْلَمُونَ). (يوسف / ٣٩ ـ ٤٠)
فصحيح أنّ يوسف عليهالسلام كان سجيناً من السجناء ، ولكن عمله ذلك كان دليلاً على أنّه لو كان على رأس السلطة لكان يمارس نفس العمل التربوي مع السجناء في محيط السجن بالأولوية ، ولحوّل بيئة السجن إلى مركز للتعليم والتربية الإلهيّة ، ولبذل كل جهده من أجل