التي إذا لم تطفأ فإنّها ستسري وتحرق كل ما في طريقها وتحيله إلى رمادٍ ، فمحاربة الفساد حقٌ اجتماعي.
وأفضل تعبير عن هذا المطلب هو ما ورد في الحديث النبوي حيث يقول :
«إنّ مثل الفاسق في القوم كمثل قوم ركبوا سفينة في البحر فاقتسموها فصار لكل واحد منهم (مكان) فعمد أحدهم الى مكانه لخرقه تعالى فقالوا أتريد أن تهلكنا فقال وما انتم من مكانى فإن تركوه غرقوا وغرق معهم وإن أخذوا على يديه نجوا ونجا فذلك مثل الفاسق» (١).
ومن هنا يتضح لنا ، أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، ليسا تدخلاً في حياة الآخرين الخاصّة ، فلا شك في أنّ الإسلام يعتبر التدّخل في حياة الآخرين والتجسس عليهم حراماً ، والقرآن الكريم تحدث عن هذه الحقيقة في (سورة الحجرات) ، ولكن حدود الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر هي الإضطرابات والمفاسد الاجتماعيّة الفاضحة ، والتي لها مدخلية مباشرة في تحديد مصير المجتمع ، وأنّ مصير المجتمع معقود عليها ، والتّخلف والانحراف في كلّ فردٍ من أفراد المجتمع له أثر بالغ على المجتمع ككلّ.
وبناءً على هذا ، فإنّه لا يحق لأحد أن يعترض على أولئك الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في مثل هذه الموارد ويقول لهم : إنّ هذا الأمر لا يهمكم فلا تتدخلوا فيه ، فإن جواب هذا الشخص ، هو أنّ هذا الأمر يخصّنا جميعاً ، فإنّ مصيرنا مرتبط بنا جميعاً ، فهل يحق لأحد أن يعترض على الدولة إذا ما عينت مأمورين للتلقيح ضد الأمراض المسرية إذا ما سرت تلك الأمراض في المجتمع ويقول لمسؤولي الدولة : إنّ هذا الأمر لا يعنيكم؟ فأنا الذي أتمرّض وأنا الذي أعرّض نفسي للخطر فلماذا تتدخلون في حياتي الشخصية؟!
فلا شك في أنّ الجميع سيجيبون ذلك الشّخص بأنّ سلامتك ليست منفصلة عن سلامة المجتمع ، ومرضك سيسري إلى أفراد المجتمع الآخرين ، ولذا فإن الأمر يهمّ الجميع.
وعليه فلابدّ من الإذعان بأنّ هاتين الوظيفتين (الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر) تعتبران من أثار الحياة الاجتماعيّة للإنسان ومن الحقوق والواجبات الاجتماعية.
كان هذا ملخصاً لبحث الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وأثرهما في تحقيق أهداف الحكومة الإسلاميّة.
__________________
(١) راجع تفسير روح الجنان ، ج ٣ ، ص ١٤٢ ؛ المعجم الاوسط ، ج ٣ ، ص ١٤٩.