وفي الآية السّادسة ، نواجه تعبيراً مهماً آخر حول تعلُّم العلم والمعرفة ، يقول عزوجل : (يُؤتِى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اوتِىَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا اولُوا الالْبَابِ).
بداهة أن المنظور من تعبير «مَنْ يَشاءُ» ليس هو أنّ يعطي الله الحكمة والعلم لهذا وذاك بلا مبرر وبدون مقدمة ، بل وكما تعلم فإنّ «مشيئة» الله وإرادته منسجمة دائماً مع «حكمته» ، أي أنّه يؤتي الحكمة من كان لائقاً بها ، وهذه اللياقة إنّما يحصل عليها الإنسان عن طريق الجد والسّعي وتحمل عناء ومشقة تحصيل العلم ، أو بواسطة جهاد النفس والتقوى التي تعتبر منبع النّظرة الصائبة والفرقان الإلهي.
واللّطيف في هذا الأمر هو أن الآية الكريمة تعبر عن العلم والحكمة بعبارة «خَيْراً كَثيراً» وهو تعبير جامع يشمل كل الحُسْن والخَير ، خير الدنيا والآخرة ، والخير المادي والمعنوي ، والخير في كل الجهات.
وللمفسر الكبير ، المرحوم العلّامة الطّباطبائي (ره) نكتة في هذا المقام يقول : «إنّ جملة (وَمَنْ يُؤتَ الْحِكْمَةَ) جاءت بصيغة المبني للمجهول ، في حين أنّ الجملة التي قبلها جاءت بصيغة المعلوم حيث قال تعالى (يُؤتِى الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ) وماذاك إلّاليبيّن أنّ الحكمة والمعرفة ذاتاً منبع خير كثير ، لا من جهة الإنتساب إلى الله المتعال فقط ، بل إنّ ذات وحقيقة العلم خير كثير» (١).
* * *
والآية الأخيرة ، أشارت إلى بُعد آخر في هذه المسألة ، حيث ورد فيها ذمٌّ شديد لأولئك الذين يكتمون العلم والمعرفة ، حيث يقول تعالى :
(انَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ مَا بَيْنَّاهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتَابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ).
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ٢ ، ذيل الآية مورد البحث.