أي أنّ المشركين أخرجوكم من وطنكم ومنازلكم لا لذنب إلّالإيمانكم بالله ، ولذا إذا لم تقفوا في وجوههم وتقاتلون تعرضت دنياكم ودينكم وإيمانكم ومساجدكم للخطر.
وبما أنّ الأمر بالجهاد صدر بعد الهجرة ، فيدل على أنّ أصل الجهاد في الإسلام هو الدفاع ضد الأعداء ، لأنّ المسلمين لم يحملوا السلاح طيلة السّنوات الثّلاث عشرة على الرّغم من كل أساليب الإيذاء والضرب والجرح ، لعل المشركين يعودون إلى الرّشد ، ولما لم تنفع الأساليب السّلمية مع المشركين وكانت نتيجة الصبر والتّحمل هو الهجرة العامة والضّغوط الاجتماعية والاقتصادية حتى بعد الهجرة ، لم يكن هناك أي مبرر عقلي لجلوس المسلمين مكتوفي الأيدي ناظرين قساوة الأعداء واضطهادهم واعتداءاتهم!؟
* * *
وفي الآية الثّانية إشارة إلى فلسفة أُخرى للجهاد ، وهي كالفلسفة المذكورة في الآية السّابقة يمكن أن توجد في كل زمان ومكان ، يقول تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَاتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).
والظّريف أنّ القرآن الكريم يشير في ذيل هذه الآية بصراحة ويقول :
(فَإِنِ انْتَهَوا فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
وذهب جمع من المفسرين إلى أنّ المراد من «الفتنة» هو «الشرك» ، وبعض قال إنّ المراد منها الضّغوط التي استعملها المشركون لإرجاع المؤمنين إلى الشرك وردّهم عن إيمانهم.
وفي تفسير الميزان ـ واعتماداً على جذور هذا المصطلح الأصلية ـ فسَّر الفتنة بمعنى الأمور التي يُمتَحن النّاس بها ، وبالطّبع فإنّ تلك الأمور تكون ثقيلة على النّاس وتستعمل عادة بمعنى زوال الأمن والصلح.
وقد ذكرنا في التفسير الأمثل ، في ذيل الآية ١٩٣ من سورة البقرة خمسة معانٍ لهذا المصطلح استناداً إلى آيات القرآن وهي :
١ ـ الإمتحان.