ففي الآية أوّلاً دعوة للجهاد في سبيل الله ، ثُمّ تعقب مباشرة بالكلام عن المستضعفين والمظلومين الذين مارس الأعداء القساة معهم أشدَّ الضّغوط حتى أجلوهم عن وطنهم وديارهم ومنازلهم وأهليهم ، ويبدو أنّ هذين المعْنيين يعودان في الواقع إلى معنى واحد ، إذ إنّ نصرة مثل هؤلاء المظلومين مصداق واضح من مصاديق الجهاد في سبيل الله.
وينبغي أن لا نغفل عن الفرق الواضح بين «المستضعف» والضّعيف ، فالضّعيف يطلق على الشّخص العاجز ، أمّا المستضعف فهو الشّخص الذي أُضطهد على يد الظّلمة الجائرين ، سواءً كان اضطهاداً فكرّياً أو اجتماعيّاً أو اقتصادياً أو سياسيّاً (إلتفتوا جيداً).
ومن الواضح أنّ هذا الجهاد جهادٌ دفاعي أيضاً ، وهو الدّفاع عن المظلومين ضد الظّالمين.
والأهداف الثّلاثة المذكورة ، هي أهم أهداف الجهاد الإسلامي ، وبالرغم من تقسيمه إلى قسمين (الجهاد الابتدائي والجهاد الدّفاعي) إلّاأنّ حقيقتهما دفاعيّة ـ ولهذا لا نجد في تاريخ الإسلام مورداً واحداً يدلّ على استعداد الكافرين للعيش بصلح وسلام مع المسلمين ومواجهة ذلك بالرّد والرّفض من قبل الإسلام.
واليوم أيضاً ، ليس للحكومة الإسلاميّة هدف عدواني ضد أحدٍ ، ومالم تفرض عليها الحرب فإنّها لا تقاتل أحداً أبداً ، ولكنّها تعتقد أنّ الدّفاع عن المظلومين من أهم وظائفها ومسؤولياتها ، وأنّ حبّ الفتنة وإيجاد الرّعب والوحشة والتّضييق والضغوط وسلب الحريات من قبل أعداء الإسلام نوعٌ من أنواع إعلان الحرب ، ولذا تعتبر نفسها مسؤولة عن الدّفاع ضد المعتدين.
ونكرر ثانية ، إنّ مفهوم الدّفاع ليس أنْ يجلس الإنسان مكتوف الأيدي حتّى يُغزى في عقر داره ، بل عليه أنْ يتحرك إيجابياً ضدّ تحركات الأعداء ويحفظ قدرته العسكريّة القتاليّة وخاصة في الظرّوف الحسّاسة ، وأنْ يبادر بضرب الأعداء قبل أن يفاجئه العدو المتآمر.
* * *