على أنّها أمرٌ ينسجم مع الطبع البشري ، فيضفون الشّرعية على استخدام المستعمرين القوّة والعنف لتحقيق أهدافهم الخبيثة التّوسعية ، فهؤلاء يتوسلون بأصل الصّراع من أجل البقاء وهو أحد أصول (دارون) الأربعة ويقولون : «ينبغي أنْ تكون الحرب والصّراع بين البشر قائمة على قدمٍ وساق وإلّا عمَّ الخنوع والضّعف الأرض ، وتأخر نسل البشر إلى الوراء! وأمّا الصّراع والحرب فهو سبب لبقاء الأقوياء واضمحلال الضعفاء وزوالهم وبهذا تتحقق مسألة انتخاب الأصلح!!».
وقد يُستدل أحياناً ببعض آيات القرآن ـ التي يفسرونها تفسيراً محرّفاً بالإعتماد على الرأي ـ لإثبات هذا الموضوع.
ولكن هذا الاستدلال ضعيف جدّاً ، إذ على فرض قبول هذا الأصل ـ الصّراع من أجل البقاء ـ في خصوص الحيوانات المفترسة المتوحشة ـ وهو رأي مردود من قبل العلماء الذين نقدوا الأصول الدارونية ـ فلا يمكن أن نقبل ذلك في عالم الإنسانيّة ، إذ إنّ البشر يمكنهم أنْ يتكاملوا عن طريق التعاون البقائي والإستباق السّالم للرقي ، كما يفعلون ذلك في ميدان الصّناعة والسّياسة بين الأحزاب والجمعيات المتنافسة في دنيا اليوم ، وعلى هذا الأساس فإنّ حياة البشريّة اليوم مبتنية على أصل التّعاون من أجل البقاء لا الصّراع من أجل البقاء.
وعلى كل حال ، لا نجد أي دليل يمكنه توجيه الحرب وإضفاء الشرعيه عليها وخاصة في مثل حروب هذا العصر التي لا يمكن جبران الخسائر النّاجمة عنها في قرون ، سواءً الخسائر البشريّة أو الصّناعية والزّراعيّة وغيرها.
والفكر السّقيم المريض فقط هو الذي يمكنه تبرير مثل هذه الحروب.
وبعد هذه الإشارة نعود للقرآن المجيد ، ونحقق في روح السّلم في الحكومة الإسلاميّة :
١ ـ (يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ). (البقرة / ٢٠٨)
٢ ـ (وَانْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). (الأنفال / ٦١)