وآحاد النّاس ، وإذا لم يكن هناك مبرر وموجب لفرض الحرب ، فلا يرجح القرآن الحرب أبداً.
ولكن هذا لا يعني أنْ يفقد المسلمون استعدادهم العسكري فيرغب الأعداء في الهجوم عليهم ، كما أنّه لا يعني أنْ يقبل المسلمون الصّلح غير العادل ومن موقع الضّعف ، إذ إنّ هذين الأمرين من عوامل الحرب ، لا الصلح العادل الثّابت.
وكذلك الرّوايات الإسلاميّة فإنّها تؤكد على ضرورة السّعي والجدّ في إقرار السّلام والصّلح في المجتمعات البشريّة ، حتّى ورد في الحديث :
«أجْرُ المُصْلِح بين النّاس كالمجاهدِ في سبيلِ الله» ، أي لا تتصوروا أنّ كلّ ذلك الثَّواب العظيم المذكور «للمُجاهِدينَ فِي سَبيل اللهِ» لا يشمل «المُصلحين» ، بل إنّ السّاعين إلى إقرار السّلام حالهم حال المجاهدين المترصدين للعدو في المتاريس ، وورد في حديث آخر عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال :
«من كمال السّعادة السّعي في صلاح الجمهور» (١).
ويمكن أن يكون لهذا الحديث مفهوم أوسع يشمل كلّ صلاح اجتماعي ، ولكنه بلا شك يدل على الصّلح في قبال الحرب.
وجاء في عهده عليهالسلام لمالك الأشتر الذي يعتبر أفضل مصدر للأبحاث المرتبطة بالحكومة الإسلاميّة ، حول إقرار الصّلح :
«ولا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دعاك إليه عَدُوُّكَ ولله فيه رضى فإنَّ في الصّلح دَعَةً لجنودك وراحة من همومك وأمناً لبلادك».
فالإمام عليهالسلام يبيّن هنا فلسفة الصّلح في ثلاث ثمرات : الأمن للنّاس ، وفرصة لتجديد قوى المقاتلين ، وراحة لفكر رئيس الدّولة.
والنّكتة المهمّة هنا هي أنّ الإمام عليهالسلام لا يعتبر كل صلح مفيد ، بل ذلك الصّلح الّذي فيه
__________________
(١) غرر الحكم ، نقلاً عن ميزان الحكمة ، ج ٥ ، ص ٣٦٣.