وفي الآية الثّانية إشارة إلى كيفية أسر الأسرى ، تقول : (مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الارْضِ).
وتعبير «يُثْخِنَ فِى الارْضِ» وكما أشرنا سابقاً لا يعني المبالغة في إراقة الدّماء والإكثار من القتل ، بل ومن خلال جملة «فِي الارْضِ» يتضح أنّ المراد هو تحكيم المواقع على أرض المعركة والتّفوق على العدو ، والسّيطرة على المنطقة ، وحتّى لو فرضنا أنّ معناها هو إراقة الدّماء فإنّما هو من أجل كسر شوكة العدو والغلبة عليه.
وفي الواقع فإنّ هذا التّعبير شبيه جدّاً بما جاء في ذيل الآية حيث يقول تعالى : (حَتَّى تَضَعَ الْحَربُ أَوْزَارَهَا) وهذا خير شاهد على تفسيرنا.
والنّكتة المهمّة هنا هي أنَّ هذا تحذير للمسلمين من أخذ الأسرى قبل تحقيق الأهداف المرسومة ، بسبب أنّ بعض المسلمين الذين أسلموا حديثاً ، كان هدفهم الأساسي هو أخذ الأسرى ، ليحصلوا على مبلغ أكبر من المال عند الفداء ، وكان ذلك يؤدّي إلى تماهل هؤلاء في أداء مسؤولياتهم الخطيرة في الحرب وعدم اكتراثهم بالأخطار المحتملة ضد المسلمين ، وانشغالهم بالأمور الثّانوية ، فيتعرض جندُ الإسلام إلى ضربة ماحقة ، كما حدث ذلك في معركة أُحد وانشغال بعض المسلمين في جمع الغنائم.
ولذا يقول تعالى في ذيل الآية : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
ثُمّ إنّ المستفاد من الآية هو أن أخذ الأسرى لم يكن في عصر نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآله فقط ، بل كان ذلك أمراً جارياً في عصور الأنبياء السّابقين أيضاً ، غاية الأمر أنّ هذه الآية تؤكد على أنّ أخذ الأسرى ينبغي أنّ لا يكون لأجل الربح المادي ، فكم من مورد تقتضي فيه مصلحة المسلمين أنْ يطلق المسلمون سراح أسرى العدو بدون أخذ الفدية منهم.
والملفت للنظر هنا هو أنّ القرآن الكريم يُحذِّر في الآية اللاحقة أولئك الذين يضحّون بالمصلحة العامة وأهداف الحرب المهمّة من أجل مصالحهم الشّخصية الماديّة ، فيعّرضون مصلحة المجتمع للخطر ، تقول الآية : (لَّولَا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ) (وهو أنّه لا يعذب أمة بلا