سبباً في زعزعة صمود المسلمين في الحرب ، وأنّ الإنشغال بنقل الأسرى إلى الخطوط الخلفية يشغل المقاتلين عن أهدافهم الأساسية.
وتعبير «شُدّوا الوَثاق» إشارة إلى ضرورة إحكام قيد الأسرى والتّدقيق في حبسهم ، كي لا يهربوا من الأسر ، فينقلبوا إلى مقاتلين ضد المسلمين.
ثُمّ تبين الآية حكم الأسرى وتقول : (فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً).
فهنا تخيِّر المسلمين بين أمرين ، إطلاق الأسرى بلا مقابل ، أو مقابل الفدية (ويراد بالفدية «الغرامة» التي يتحملها العدو في أزاء إطلاق سراح أسراه ، وهي في الواقع جزءٌ من الخسائر التي تسبب بها في عدوانه).
والنّكتة المهمّة هنا هي أنّ فقهاء الإسلام وتبعاً للرّوايات ، ذكروا طريقاً ثالثاً في المسألة وهي استرقاق الأسرى ، ولكن لم ترد إشارة إلى ذلك في الآية الشّريفة على الرّغم من مسألة استرقاق الأسرى كانت أمراً عادياً في ذلك الزّمان ، وقد يكون ذلك باعتبار أن «الإسترقاق» ـ وكما ذكرنا ذلك مفصلاً في محله ـ كان حكماً مقطعياً متناسباً مع شرائط خاصة ، وكان نظر الإسلام هو أن يتمّ تحرير هؤلاء العبيد تدريجياً حتّى لا يبقى شيء بإسم الإسترقاق ، ولهذا فإنّ الآية إشارة فقط إلى الطريقين الأولين أي الإطلاق بلا مقابل أو في مقابل الفدية (وتبادل الأسرى بين الطرفين نوعٌ من أخذ الغرامة في مقابل إطلاق سراح الأسرى).
كما أنّهم ذكروا طريقاً رابعاً في الكتب الفقهية للأسرى (وهو قتل الأسرى) ولم تذكره الآية أيضاً ، وذلك لأنّ قتل الأسير ليس حكماً أساسياً في الأسرى ، بل هو استثناء يتمّ إجراؤه في خصوص الأسرى من ذوي الخطر ومجرمي الحرب لا في كل أسير (١).
وممّا ذكرنا يتضح أنّ حكم الآية ليس منسوخاً ، ولا دليل على نسخة ، وعدم ذكر بعض أحكام الأسرى فيها ، له دليل وجيه.
* * *
__________________
(١) وللفخر الرازي في تفسير هذه الآية وعدم ذكر القتل والإسترقاق ، رأي يشابه ما ذكرناه أعلاه (تفسير الكبير ، ج ٢٨ ، ص ٤٤).