المشركين وعبدة الأوثان ، فهي تقسِّمُهُمْ إلى مجموعتين : مجموعة قاتلت المؤمنين وآذتهم ولم تتردد عن كل مخالفة وممارسة عدائية ضدهم ، ومجموعة ثانية كانت مستعدة للعيش معهم بسلام.
ففي هذه الآيات نجد منع إنشاء العلاقة والتّعامل مع المجموعة الأولى وقد أجازت ذلك منع المجموعة الثّانية ، وعدّت الّذين يرتبطون بالمجموعة الأولى من الظّالمين ، أمّا المتعاملين مع المجموعة الثّانية فاعتبرتهم الآية الشريفة من أنصار العدالة.
وإذا كان الحكم الإلهي في مورد المشركين وعبدة الأوثان على هذا النّحو ، فهو بالنسبة للكفار من أهل الكتاب من باب أولى.
واعتبر بعض المفسرين أنّ الأمر الوارد في هذه الآية قد نُسِخ ، وأنّ ناسخة هو قوله تعالى : (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المشُرِكِينَ حَيثُ وَجَدتُّمُوهُمْ). (التوبة / ٥)
ولكن وبقرينة أنّ هذه الآية بشهادة سائر آيات سورة التّوبة ، نازلة في شأن المشركين الذين ينقضون العهد ، والّذين أعلنوا العداء للمسلمين ، يتضح لنا تماماً أنّ الآية لم تُنْسَخْ ، بل إنّ آيات سورة التّوبة مرتبطة بالمجموعة الأولى.
وروى بعض المفسرين في تفسير هذه الآية أنّ زوجة أبي بكر المطلّقة قد جاءت لإبنتها «أسماء» ببعض الهدايا من مكة ، ولما كانت لا تزال مشركة ، امتنعتْ أسماء من قبول تلك الهدايا منها ، حتى أنّها لم تسمح لأمِّها بالدّخول عليها ، فنزلت الآية المذكورة ، وأمرها الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله أنْ تستقبل امَّها وتقبل هديتها وأنْ تحترمها (١).
وعلى أيّة حال ، يستفاد من هذه الآيات ، أصلٌ عام كلّي في كيفية تعامل المسلمين مع غير المسلمين ، بلا تحديد ذلك بزمانٍ أو مكانٍ خاص ، وهذا الأصل هو أنّ المسلمين مكلّفين بسلوك طريق السّلم مع كلّ فرد أو مجموعة أو مجتمع أو دولة لا تتخذ موقفاً معادياً تجاههم ، أو تحارب الإسلام والمسلمين وتنصر أعداءهم ، سواءً كان هؤلاء مشركين أو كانوا من أهل الكتاب.
__________________
(١) تفسير روح البيان ، ج ٩ ، ص ٤٨١ ، كما نقلت هذه الرواية في كثير من كتب التفسير ، وفي صحيح البخاري بتفاوت.