وعلى كلّ حال ، فإنّ أصل «الجزية» هو «الجزاء» ، لأنّ ما يدفعونه من مال لا يكون مجاناً وبلا عوض ، بل عوضه هو أنّ الحكومة الإسلاميّة تكون مسؤولة عن الدّفاع عن أموالهم وأنفسهم وأعراضهم وتوفير الأمن اللازم لهم.
وقد احتمل البعض أنّ «الجزيّة» مأخوذة من «الجزء» لأنّ الجزية عادة مبلغ قليل من المال يدفعه كلّ فرد منهم سنوياً.
والتّعبير بـ «عن يدٍ» إشارة إلى أنّ «المعاهد» لابدّ أنّ يدفع «الجزيّة» بيده شخصيّاً ، ولا يحق له توكيل شخص آخر للقيام بذلك ، ولكن البعض يعتقد أنّ هذا التّعبير إشارة إلى أنّ الجزية لابدّ أن تكون نقداً ، وعليه فيحق للذّمي أنْ يُوَكِّل عنه شخصاً آخر لدفع الجزيّة ولكن يجب أن تكون نقداً لا نسيئة ، أو أن المراد من ذلك هو أنّ «الجزية» تؤخذ من الأغنياء فقط ، وأمّا الفُقراء فيعفون عن أداء الضرائب الإسلاميّة.
وأيّاً كان المعنى من هذه الثّلاثة فلا يؤثر على أصل المسألة مع أنّه يمكن جمعها جميعاً.
وأمّا تعبير «صاغِرُونَ» والذي ذكرت له معانٍ وتفاسير غير مناسبة ، فهو في الأصل مأخوذ من مادة «صِغَر» بمعنى الاستصغار والخضوع ، فيكون المراد هنا هو خضوع هؤلاء واحترامهم للإسلام والمسلمين ولمقررات الحكومة الإسلاميّة ، وبعبارة اخرى علامة على العيش بسلام وقبول أنَّهُم أقلية مسالمة ومحترمة في قبال الأكثرية.
وماذكره بعض المفسرين من أنّه بمعنى «التّحقير والإهانة والسّخرية بأهل الكتاب» لا يمكن استفادته لا من المفهوم اللّغوي للكلمة ولا من روح التّعاليم الإسلاميّة ، ولا من أحكام التّعامل مع الأقليات الدّينيّة الواصلة إلينا ، وفي الواقع فإنّ هؤلاء المفسرين يفرضون عقيدتهم الخاصة على الآية.
ومن هنا تتضح لنا حقيقة تلك (الزوبعة) التي يثيرها البعض حول هذه الكلمة من هذه الآية ، وأنّها مخالفة لكرامة الإنسانية ونهج العيش المشترك المسالم ، فهي ضجَّةٌ وزوبعة لا أساس لها من الواقع.
والنكتة المهمّة هنا هي أنّ «الجزية» عادة مبلغ قليل من المال كان أهل الكتاب يدفعونه