فتصفهم بثلاثة أوصاف ، الأولى : (لا يُؤمِنُونَ بِاللهِ ولَا بِاليَومِ الآخِرِ) ، فصحيح أنّ اليهود والنّصارى كانوا في الظّاهر يقبلون المبدأ والمعاد ، ولكنّهم من جهة اخرى كانوا قد دنّسوا هذا الإعتقاد بالخرافات ، فأداروا ظهورهم للتّوحيد الصّحيح وتمسّكوا بالتثليث والشّرك ، وقالوا بانحصار المعاد غالباً في المعاد الرّوحاني ، والأهم من ذلك هو أنّ إيمانهم بالمبدأ والمعاد لم ينعكس على أعمالهم وأفعالهم ، وانغماسهم في الخرافات والضّلال كان إلى درجة يمكن القول معها أنّهم ليسوا بمؤمنين بالمبدأ والمعاد.
والصّفة الثّانية هي : (وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ).
وتاريخ هؤلاء يشهد بأنَّهم لم يلتزموا عمليّاً باجتناب المحرمات وكانوا يرتكبون الذّنوب المحرمة في كلّ الشّرائع السماويّة ، فكان الدين عندهم مجرد طقوس خاوية صوريّة (كما أن الدين عندهم اليوم عبارة عن مسألة شخصيّة تقتصر على الدّعاء الأسبوعي وذكر بعض الأمور الأخلاقيّة التي ليس لها أي أثر على حياتهم عملياً ، مثالهم الصهيونيّة التي لا تتورع عن القيام بأي جريمة نكراء من أجل تحقيق أغراضها).
والصفة الثّالثة هي : (وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ).
لأنّهم غيّروا مفهوم الدّين كليّاً وعزلوه عن هموم البشريّة وخلطوه بالخرافات.
وهذه الأوصاف الثّلاثة ، تعتبر متلازمة لهم في الواقع ، وهي التي كانت تدعوهم مجتمعة لمواجهة الإسلام ومخالفته.
ولكن مع كلّ ذلك فإنّ الآية تفتح باباً للصّلح أمامهم وتقول : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).
يقول الرّاغب في مفرداته : «الجزية» ما يؤخذ من أهل الذّمة (وهم غير المسلمين الذين يتعاهدون معهم للعيش جنباً إلى جنب داخل الدّول الإسلاميّة) ، وتسميته بذلك لإنّه بمنزلة الجزاء والأجر الّذي يدفعونه لحفظ أنفسهم (وأموالهم).
وجاء في كتاب التّحقيق ، أنَّ الجزيّة نوع من الجزاء والأجرة ، وهو نفس ما يؤخذ من غير المسلمين.