قبال الإسلام ، فهؤلاء المعاهدون لابدّ أنْ يعرفوا أنّ روح الإسلام روح السّلام والصّفاء ، والآية توصي المسلمين بأن يتعاملوا مع غير المسلمين معاملة سلمية.
وبطبيعة الحال ، فإنّ هذه الأمور يجب أنْ لا تكون بنحو يتصور المقابل أنّ المسلمين ضعفاء عاجزين فيسيء استغلال عطفهم ولينهم. ثُمّ تستثني الآية مجموعة من هؤلاء وتقول : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) وهي إشارة إلى الذين رفضوا العيش بسلام إلى جنب المسلمين ، وأساءوا استغلال محبّة المسلمين لهم ومداراتهم ولينهم ، حيث عادوا الحق وعاندوه مع أنّهم كانوا قد قرأوا علامات نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآله في كتبهم ، وكانوا يحاولون إخفائها وكتمانها ، وكانت ميولهم ميول عدوانية وغير مسالمة ، بعيده عن الاحترام والمحبّة ، فمثل هؤلاء لا شكّ في ضرورة استثنائهم من تلك الأحكام الرّؤوفة.
وجاء في تتمّة الآية عدّة جمل لطيفة اخرى في هذا المجال حيثُ يقول تعالى : (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِى انْزِلَ إلَيْنَا وَانْزِلَ إِلَيْكُمْ وإلهُنَا وَإلهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
وهذا في الحقيقة نموذج واضح ورائع للمجادلة بالّتي هي أحسن ، أي أنّ القرآن الكريم لم يكتفِ بذكر الكليّات في هذا المجال ، بل عرض مصاديق واضحة في الأثناء.
وهذه العبارة تدل بوضوح على ضرورة الإعتماد على النّقاط المشتركة لتحكيم اسس العيش السّليم المشترك ، وهي الإيمان بالله الواحد والإيمان بكل الكتب السّماوية وأمثال ذلك.
ولكنّ التّأكيد والإصرار على الجهات المشتركة لا يعني قبول المسلمين لبدع هؤلاء وانحرافاتهم وتراجعهم عن معقتداتهم ، وقد تكون جملة (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ، إشارة لطيفة لهذا المعنى.
ونقرأ في حديث مفصل عن الإمام الصّادق عليهالسلام الذي يرشدنا فيه إلى نموذج «للمجادلة بالتي هي أحسن» ويأمرنا بالتّأمل في آخر سورة «ليس» ، وملاحظة كيفيّة مجادلة منكري المعاد بطرق مختلفة وبمنطق لطيف وبرهاني قوي في نفس الوقت (١).
__________________
(١) إقتباس من تفسير نور الثّقلين ، ج ٤ ، ص ١٦٣ ، ذيل الآية مورد البحث.