(لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ اشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ اقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى).
ثُمّ تبين الآية الكريمة دليل محبة المجموعة الثّانية للمؤمنين وتقول :
(ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسّيِسيِنَ وَرُهْبَاناً وَانَّهُمْ لَايَسْتَكْبِرُونَ).
وهذا التّعبير يدلّ بوضوح على أنّ الإسلام مضافاً إلى أنّه يرفض مواجهة من لا يكنُّ للإسلام العداء والبغضاء ، فإنّه يعتبر هؤلاء من أقرب الأصدقاء إلى الإسلام ، ويثني على زعماء هؤلاء ويعتبرهم من أهل العلم والمعرفة وترك الدّنيا والإستكبار وبهذا يستقبل هؤلاء بصدر رحب ويفتح لهم ذراعي المحبّة والصّداقة ويكنُّ لهم احتراماً خاصاً.
وإذا كان موقف الإسلام تجاه اليهود والنّصارى متفاوتاً ، فإنّ ذلك ليس لعداوة خاصة يكنّها لليهود ، بل من أجل مواقفهم العدائيّة ضدّ المسلمين واتفاقهم مع المشركين العرب السّفاكيّن ، على العكس من النّصارى ، ولذا جمع في الذكر بين اليهود والمشركين في هذه الآية ، وأمّا المسيحيين فكانوا على صلة حسنة بالمسلمين.
والملفت للنّظر هنا هو أنّ المسيحيين كانوا أبعد من اليهود عن المسلمين لاعتقادهم بالتّثليث بينما كان اليهود يقولون بالتّوحيد صراحة ، ولكن لما كان اليهود عملياً يضمرون العداء ويحيكون المؤامرات ضدّ المسلمين بخلاف المسيحيين فإنّ الإسلام يهتم بالعيش بسلام مع النّصارى أكثر من اليهود.
وللأسف ، فإن وضع اليهود اليوم هو الإستمرار في ميولهم العدوانيّة السّالفة ، حيث نجد أنّ اليهود اليوم قد جنّدوا كلّ قدراتهم ضدّ الإسلام والمسلمين ، في حين أنّ بين المسيحيين أفراد أو دول تربطهم روابط حسنة مع المسلمين.
ومن مجموع ما ذكر ، يتّضح تماماً أنّ سعة صدر الإسلام وعظمته تميل إلى الرّغبة في العيش بسلام مع الأديان السّماويّة الاخرى بشرط أن يدخل هؤلاء من باب الصّلح والصّفاء والصّداقة والإحترام المتقابل ـ ويأمر المسلمين بالتّعامل الحسن معهم ، وأن يجادلوهم بالموعظة الحسنة وإتباع المنطق والأدب والإنصاف ، وبهذا الطّريق يرشدونهم إلى تعاليم