وأمّا في خارج المجتمع الإسلامي ، فالمسألة أوضح ، فإنّ على المسلمين دائماً أنْ يتعرفوا على ما يجري في ظاهر وباطن المجتمعات الأجنبية والذي قد يرتبط بمصير المجتمع الإسلامي ، فعليهم أنّ يحبطوا المؤامرات في مهدها ويخنقوها وهي في مراحلها الاولى ، وبغير ذلك فإنّهم سيطلعون عليها بعد فوات الأوان ، ويكون القضاء عليها صعباً حينئذٍ ، أو يكلف ثمناً باهضاً جدّاً!
وهناك نوع آخر من التّجسس في الحكومة الإسلاميّة (وكل حكومات العالم) وهو التّجسس على أحوال موظفي وكوادر الحكومة الإسلاميّة ومسؤوليها ، ليحصل الإطمئنان بأنّهم يؤدّون وظائفهم بشكل صحيح ، وأنّهم لا يجحفون ولا يتعدّون على حقوق المسلمين ، وأنّهم لا يسيئون استغلال مناصبهم.
وعلى أيّة حال ، فالمستفاد من آيات القرآن هو أنّ مسألة التّجسس كانت موجودة في تلك الأعصار ، وأنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله كان له أجهزة للأمن المضاد لمواجهة عمليات التّجسس لصالح أعداء الإسلام ، وبهذا الطريق كان يحبط مؤامراتهم وتحركاتهم.
وقد حذّر الله عزوجل ، المسلمين وأمرهم بمراقبة تحركات جواسيس المنافقين ، وقال : (لَو خَرَجُوا فِيكُم مازَادُوكُم إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيْكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ) (١). (التوبة / ٤٧)
وقد يكون لفظ «سمّاع» بمعنى «الجاسوس» ، أو من يتميز بقوة السمع والإستقبال ، والاحتمال الأوّل أنسب لمورد الآية.
هذا في حين أنّ الله تعالى قبل عدّة آيات يأمر النّبيّ صلىاللهعليهوآله ببذل الجهد للتعرف على المنافقين ، ويقول : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعلَم الْكَاذِبِينَ). (التوبة / ٤٣)
* * *
__________________
(١) و «أوضعوا» من مادة «إيضاع» بمعنى السّرعة في الحركة ، فالمراد هنا هو أنّ المنافقين يوجدون الفتنة في قلوب البسطاء من المسلمين والفرقة والنّفاق بسرعة.