والواقع هو أنّ رأسمال الإنسان في المجتمع هو كرامته ، وكل المسائل الاخرى تابعة لها ، ولا شك في أنّ سوء الظنِّ والتّجسس والغِيبة تعرِّض رأسماله الغالي إلى الخطر ، أو تفنيه.
* * *
ولكن ومع ذلك ، فإنّ هناك بعض الموارد إذا واجهناها بحسن الظن ، ولم يُتَجسَّسْ عليها وتفضح أسرارها ، فإنّها ستشكل خطراً على المجتمع الإسلامي ، سواءً كان هذا الخطر مؤامرة من قبل المنافقين في الدّاخل ، أو مخططات مشئومة من قبل الأعداء من الخارج تنفذ على أيدي عملائهم في الداخل.
فمثل هذه الموارد لابدّ من مواجهتها بريبة واستفهام ، والتّجسس لحفظ الأهداف الأهم ، وهذه هي فلسفة تشكيل الأجهزة الأمنيّة والأمن المضاد ، وهي فلسفة معقولة ومنطقيّة وموافقة للعقل والشّرع ، وإن كان طلّاب الدّنيا والحكومات المستبدة والإستكبارية تسيء استغلال ذلك ، ولكن هذا لا يمنع من بقاء أصل هذا الأمر منطقيّاً ومعقولاً ، فلا يقال ما هي الضرورة لمثل هذه الأعمال؟ فأي قانون مقدس لم يُستغل استغلالاً سلبياً من قبل ضعاف النّفوس؟!
وخلاصة الكلام ، هي أنّ عدم التّجسس على أوضاع الآخرين وحياتهم الخاصة «أصلٌ» لابدّ أن يحفظ ، ولكن التّجسس في موارد معينة «استثناء» ولابدّ أن يُحفظ هو الآخر في حدود وشرائط خاصة باعتباره وظيفة شرعية واجتماعية.
وفي الواقع إنّ هذا الاستثناء يخضع لقانون الأهم والمهم ويخضع للعناوين الثّانوية ، فحفظ كرامة الأفراد مهمٌ جدّاً ، ولكن حفظ وجود المجتمع الإسلامي ونظام الحكم والأمن والإستقرار أهم من ذلك وأوجب ، ولذا ففي مثل هذه الموارد يقدم الثاني على الأول.
وممّا تقدم يتضح أن التّجسس واستقصاء أسرار الآخرين يحتاج إلى مجوّز ودليل كافٍ ، وأمّا التّصرف الشّخصي فغير مجاز.
هذا ما يرتبط بالتّجسس في داخل المجتمع الإسلامي.