تعذيب لأخذ الإقرار ، وثبت بالقرائن صدق اعترافه هذا (كما لو دلَّ على مواضع إخفاء تلك المسروقات وتبين صحة ذلك) ، أمكن الأخذ بهذا الإقرار واعتباره شرعيّاً ، وذلك لأنّ القرائن القطعيّة هي التي تثبت صحة هذا الإقرار.
كما يمكن اتباع هذا الأسلوب في خصوص الجواسيس الأجانب حتى لو لم يرتكبوا مخالفة قطعيّة ، وكان الحاكم الشرعي يعتقد يقيناً أو ظناً قوياً بأنّ هذا الجاسوس يحمل معلومات سريّة خطيرة تهدد مصير الدّولة الإسلاميّة والمسلمين بالخطر ، فإنه في مثل هذه الحالة يمكن تعذيب هذا الجاسوس والتّضييق عليه بشرط مراعاة التّعامل الإنساني.
وقد مرَّ بنا في قصة «حاطب بن أبي بلتعة» ، عندما امتنعت «سارة» تلك الجاسوسة ، عن الإعتراف وتسليم الكتاب الذي كتبه حاطب لأهل مكة ، سلّ علي عليهالسلام سيفه وهدّدها بالقتل ، فخافت «سارة» فأخرجت الكتاب من شعرها وسلمته للإمام عليهالسلام. فهذا الإقرار كان مقروناً بالتّعذيب الرّوحي ومع ذلك حكم بصحته.
فمن الواضح أنّ مثل هذه الضّغوط في مثل هذه الموارد ، «ليست أمراً مخالفاً للعقل ولا للشّرع» ، لأنّ أهميّة المسألة تكون إلى درجة يجوز معها مثل هذا التّعذيب ، ففي تلك الحادثة ، لو أن خبر عزم الرّسول صلىاللهعليهوآله على فتح مكة ، كان قد وصل إلى أسماع قريش ، لأريقت دماء كثيرة في ذلك البلد الآمن مع أنّ نتيجة الحرب كانت واحدة.
وفي قصة قضاء أمير المؤمنين عليهالسلام نجد موارد كثيرة مارس الإمام عليهالسلام فيها التّعذيب النفسي ضد المجرمين وخاصّة في القضايا المهمّة التي كانوا يرفضون الإعتراف والإقرار فيها ، فكان الإمام يمارس مثل ما مرَّ ذكره من الأساليب للحصول على إقرارهم ، فمثلاً جاء في قضيته : أنّ رجلين تداعيا عنده ، وكان كل منهما يدعي أنّه السيّد وأنّ الآخر غلامه ، فقال الإمام عليهالسلام لقنبر : يا قنبر علي بسيف رسول الله صلىاللهعليهوآله لأجل أن أضرب رقبة العبد (بعد أن أدخل رأسيهما في ثقبين أعدّهما خصّيصاً لهذا الأمر) ، قال : فأخرج الغلام رأسه مبادراً ، فقال عليّ عليهالسلام للغلام : ألست تزعم أنّك لست بعبد ، ومكث الآخر في الثقب ، قال : بلى إنّه ضربني وتعدّى علي (١).
__________________
(١) وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، أبواب كيفية الحكم ، باب ٢١ ، ح ٤ ، ص ٢٠٨.