وأمّا الحكومة الديمقراطية الواقعية والّتي تمثل أكثرية الشعب (إذا وجدت حكومة كهذة في العالم) فهي كذلك ، حيث تنطوي على مساوىء كثيرة ، بل وحتى تمارس الظلم والاعتداء ، وذلك لأمور منها :
أولاً : إنّ الكثير من النّاس في أغلب الدول التي تكون حكوماتها واقعاً أو ظاهراً من هذا النوع ، لا يشاركون بصورة عملية في الانتخابات فيها ، إذ ربّما شارك ستون أو سبعون في المئة بل وأقل من ذلك أيضاً ؛ ومع ذلك فاننا نرى ان نتائجها تشير إلى أنّ المرشّح الفلاني قد حاز على أكثرية الأصوات ، إنّها لم تكن أكثرية في المجتمع. (مثلاً نسبة ٣١ خ مقابل ٢٩ خ من مجموع ٦٠ خ من الأفراد المشتركين في تلك الانتخابات).
وفي هذه الحالة ، توجد مصاديق عديدة فإنّ الأقلية من الناس تتسلّم مقاليد الامور ، بينما ترضخ الأكثرية تحت حكمهم وسيطرتهم ، وبديهيّ أن ينظّموا كل القوانين حسب أهوائهم ومصالحهم ، وهذا هو الظلم الفاحش بعينه.
ثانياً : لو فرضنا أن جميع أفراد الشعب الذين لهم حقّ المشاركة في الانتخابات قد اشتركوا فيها (طبعاً إنّ مثل هذه الفرضية لم تحدث أبداً) فيمكن أيضاً فوز البعض بأكثرية قليلة وضئيلة (كأن يكون ٥١ خ في مقابل ٤٩ خ أو أكثر أو أقل).
وهذا أيضاً أحد أنواع (استبداد الأكثرية) ضد الأقلية ، ففي دولة يبلغ عدد سكانها ١٠٠ مليون نسمة مثلاً تخضع فيه ٤٩ ميلون نسمة لسلطة ٥١ مليون شخص ، فكلّ شيء في المجتمع يسير وِفقاً لمصلحة الأكثريّة وقد يكون بضرر الأقليّة ، ولهذا فقد أذعن كثير من المفكرين إلى أنّ حكومة الأكثرية هي نوع من الحكومة الظالمة الّتي لابدّ منها ، لأنّه لا حيلة لهم ولا بديل سواها.
ثالثاً : وبعيداً عن ذلك وعلى فرض أنّ الحكومة الديمقراطية لا تنطوي على أيّ من الإشكالين المذكورين فإنّها حكومة تتبعُ رغبات الأكثرية من الشعب ، ونحن نعلم أنّه يحدث أحياناً أن ينحرف أكثرية الشعب نتيجة للمستوى العلمي والثقافي المتدنّي ، أو في هذه الحالة يتحتَّم على العلماء والمتقفين النهوض ومحاربة هذه الآفة الخطيرة ، بينما لا نرى