وبناءً على هذا ، فاحترام آراء الناس يكتسب مشروعيته من أمره تعالى. هذا من جهة ومن جهة اخرى ، فالنبي صلىاللهعليهوآله وخلفاؤه المعصومون ، وكذلك العلماء الذين يكتسبون مشروعيتهم بالواسطة من قبله سبحانه باعتبارهم من مصاديق «الولي الفقيه» ملزمون برعاية مصالح الناس في كل مكان وزمان ، أي الاهتمام بغبطة العامّة كما يصطلح عليه ، ومن البديهي أنّ مصلحة الناس تستلزم اسهامهم في أمر الحكومة نوعاً ما والاصغاء لآرائهم ، وبهذا يكتسب الاهتمام بآرائهم صبغة إلهيّة.
وبعبارة اخرى ، فالحكومة الإلهيّة إنّما تبدو منسجمة حينما تتمتع بقدرة تنفيذية عالية ، ولا سبيل إلى هذه القدرة إلّابمشاركة الشعب في أمر الحكومة ، وبما أنّ تنفيذ الأحكام الإلهيّة واجب ، فيكون اسهام الشعب في أمر الحكومة مقدّمة لذلك الواجب ، ومقدّمة الواجب واجبة.
وخلاصة الكلام : ، إنّ جوهر الحكومة الإسلامية هو الحكومة الإلهيّة ، لكن هذه الحكومة تنبع في خاتمة المطاف من الحكومة الشعبية ، فتعيين الأنبياء والأئمّة وخلفائهم يشكل جوهر الحكومة الإلهيّة ، والتزام هؤلاء بمسألة الشورى واحترام آراء الشعب الذي يكون بأمر الله تعالى أيضاً ، يشكل الصبغة الشعبية لها.
فالذين يتصورون أنّ الحكومة الإسلامية متكئة على آراء الشعب مائة بالمائة ، ويهملون عنصرها الإلهي ، يذهبون شططاً ، كما أنّ الذين يولون اهتمامهم للجانب الإلهي ويغضون الطرف عن جانب الشورى وآراء الشعب مخطئون أيضاً.
وسنتناول في الأبحاث القادمة (في بحث البيعة والشورى) هذا الأمر بتفصيل أكثر.
وعلى أيّة حال ، فكيف يمكن تجاهل هذه الحقيقة ، وهي أنّ مشاركة الشعب في أمر الحكومة تضيف قدرة ومنعة للحكام ، كما أنّهم أعجز ما يكونون عند غياب مشاركة الشعب ، كما يقول أمير المؤمنين عليهالسلام في الخطبة الشقشقية :
«أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرءَ النَّسَمَةَ لَولَا حُضُورُ الحَاضِرِ وَقِيَامُ الحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ إلَّايُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَلا سَغَبِ مَظلُومٍ ، لَأَلقَيتُ حَبلَهَا عَلَى غَارِبِهَا» (١).
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٣.