أولاً : بأي حق يتدخل وكيل الأكثرية في شؤون الأقلية؟ لنفرض أنّ ٥١ مليون نفر قد انتخبوا أحد الأشخاص وكيلاً عنهم ، و ٤٩ مليون قد وكّلوا شخصاً آخر ، فبأي دليل يمتلك وكيل ال (٥١ مليون) حق التدخل في شؤون ال (٤٩ مليون نفر).
ثانياً : هنالك شريحة يعتد بها من الشعب لا تشترك في الانتخابات في أكثر الأحيان ولأسباب شتى ولا يمنحون أصواتهم لأحد باعتباره وكيلاً لهم ، فأيّة ضرورة تقضي بوجوب اتباعهم لمن يتمتع بوكالة الآخرين؟!
ثالثاً : الوكالة عقد جائز ، وبإمكان الموكّل عزل وكيله متى شاء ، في حين أنّ الشعب لا يمكنه أبداً في ظل الأنظمة السياسية في العالم عزل مرشحيه ـ والمرشحين لرئاسة الجمهورية وأمثالها.
الحقيقة هي أنّ الديمقراطية لا يمكن تحجيمها بهذه العناوين ، إذ إنّ للديمقراطية هويتها الخاصة بها ، وهي في الواقع نوعٌ من العقد الاجتماعي تفرضه الضرورة ، لأنّ الشعب بحاجة إلى حكومة ما على كل الأحوال ، ومن جهة اخرى فاتفاق آراء الشعب على هذا الأمر غير ممكن ، إذن ، فلابدّ من الذهاب ـ شئنا أم أبينا ـ وراء رأي الأكثرية ، كما يجب على الأقلية الرضوخ أمام الأكثرية ، إذ لا سبيل لإدارة المجتمع ولا توجد رؤية اخرى سوى ذلك ، وهي أنّه نتوافق مع رأيهم ، حتّى لو لم يكن هذا الأمر متصفاً بالعدالة المحضة.
أمّا الذين ينظرون إلى الحكومة بأنّها من قبل الله تعالى ، فلهم رؤية اخرى ، وهي أنّه لنرى من ذلك الشخص الذي وضع الله تعالى الحكومة تحت اختياره؟ وبهذه الحالة تكون آراء الشعب ـ عند تعدد الأفراد اللائقين من وجهة نظر الإسلام ـ قادرة على صنع القرار عند تعيين الشخص المتفق عليه ، فيتغلب ذلك الشخص الذي يحظى بدعم جماهيري أكبر لتنفيذ أهداف الحكومة.
وبإمكان المسائل المتعلقة بالبيعة توضيح هذا الأمر بشكل أكبر ، وسنتكلم إن شاء الله بالتفصيل في الأبحاث القادمة عن دور البيعة في الحكومة ، وحقيقة البيعة وشروطها.
* * *