علمي وفكري باعتباره منافياً للدين ، فأسسوا محاكم سميت فيما بعد بـ «انكيزيسيون» «محاكم تفتيش العقائد» ، وحكموا على أعداد كبيرة في هذه المحاكم بالموت ، فقطعوا رؤوس بعضهم ، وأحرقوا البعض الآخر بالنّار وهم أحياء ، أو أنّهم حكموا عليهم بالسجن ، ومن بينهم عدد من العلماء الطبيعيين المعروفين. وكلُّ الملوك كانوا يحسبون لرجال الدّين هؤلاء حساباً ويطيعون أوامرهم.
بالإضافة إلى الأموال الطائلة التي أخذوها وعاشوا في نعيم لا يوصف.
وقد أثارت كل هذه الامور الشعب ضدهم ، خصوصاً علماء العلوم الطبيعية ، حيث إنّهم وقفوا في وجوههم بقوة ، وعمّ شعار «فصل الدين عن السياسة» من جهة ، والتنافي بين العلم والدين ، من جهة اخرى ، كلَّ مكان ، ثم وبانتصار هذا الجناح ، انسحبت الكنيسة ورجالها من المجتمع والحكومة ، والدولة الوحيدة التي بقيت بيد رجال الكنيسة من تلك الامبراطورية الواسعة هي دولة الفاتيكان الصغيرة التي لا تتجاوز الكيلومتر المربع الواحد أي بمساحة قرية صغيرة (١).
كانت هذه كلها ، تطورات قد حدثت في اوربا وخلال تلك الظروف الخاصة.
ثم إنّ فريقاً من الدول الإسلامية حينما ذهب إلى الغرب للدراسة أو التجارة أو السياحة جاء بمثل هذه الأفكار معه كهدية من الغرب للشرق الإسلامي وهي لزوم فصل الدين عن السياسة ، دون الوقوف على البون الشاسع بين «الإسلام» وبين «المسيحية» المحرّفة ، وبدون التأمل في التفاوت بين الثقافة الإسلامية الحاكمة على هذه الدول وثقافة الكنيسة.
ومع الأسف فقد رضخت بعض الدول الإسلامية لهذه المؤامرة الاعلامية واعتبرتها أصلاً لا يمكن التنازل عنه (لا يخفى أنّ الدول الغربية التي كانت ولا تزال تخاف قوّة
__________________
(١) ذكرت مساحة الفاتيكان في قاموس دهخدا وقاموس معين بأنّها ٤٤ هكتاراً (أقل من نصف كم) ، وبلغ عدد نفوسها حسب بعض المصادر ٥٢٥ نفراً! وفي البعض الآخر ٧٠٠ نفر ، وفي البعض الآخر ألف نفر! وفي الحقيقة فإنّ هذه الدولة عبارة عن مجموعة من الكنائس والأبنية المتعلقة بها ، وفيها محطة قطار ، دائرة البريد ، محطة الاذاعة ، ولها قانون خاص بها وحكومة مستقلة ، وهناك حوالي خمسين دولة لها ممثلين لدى البابا. والملفت للنظر أنّ هذا البلد يقع في قلب روما عاصمة ايطاليا (قاموس دهخدا ، قاموس معين ، والمنجد في الاعلام).