ولكن من المسلّم به أنّ المراد من الآية الكريمة لاسيما نهايتها ليس المقصود به أن يقوم الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله بمشاورة النّاس ومن ثم لا يأخذ بوجهات نظرهم وآرائهم ، ويختار طريقاً آخر ، فمثل هذا الأسلوب لا ينسجم ، من جهة ، مع الهدف الذي تقصده الآية (لأنّه سيصبح سبباً لعدم احترام الرأي العام ، ويؤدّي بالتالي إلى انزعاج المسلمين وترتُّب نتائج عكسية) ، ولا ينسجم من جهة أخرى مع تاريخ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله أيضاً ، لإنّه صلىاللهعليهوآله عندما كان يشاور النّاس في الحوادث والملمات المهمّة ، فإنّه كان يحترم آراء النّاس ، حتى أنّه كان يتجاهل أحياناً وجهة نظره الكريمة ، بهدف تقوية ودعم مبدأ المشاورة بينهم.
وتجدر الإشارة إلى أنّ آية المشاورة ونظراً للآيات الورادة قبلها وبعدها ، يُراد بها غزوة «احُد» ، ونعلم أنّه في غزوة أحُد ، لم يكن الرسول صلىاللهعليهوآله موافقاً على الخروج بالجيش من المدينة ، ولكن بما أنّ أكثرية آراء المسلمين استقرت على هذا الأمر ، فقد وافق صلىاللهعليهوآله على الخروج (١).
وعلى فرض أنّ هذه الآية تعطي هذه المزية للرسول صلىاللهعليهوآله بأن تكون مشاورته للناس ذات جنبة تشريفية ، إلّاأنّ الآية الواردة في «سورة الشورى» والتي توضح القانون العام للمسلمين بشكل واضح وجلي ، تؤكد على أنّ الأمور المهمّة يجب أن تُنجز من خلال الشورى بين المسلمين ، وأنّ الشورى تلعب دوراً مصيرياً.
ومن البديهي أنّ العمل بالشورى يكون في المسائل التي لم ينزل بها حكم خاص من قبل الله تعالى ، وعندما نقول : إنّ الشورى في مسألة خلافة الرسول صلىاللهعليهوآله لا اعتبار لها ، بسبب وجود أمر خاص من قبل الله تعالى في هذا المجال ، ومع تعيين الوصي وخليفة الرسول صلىاللهعليهوآله عن طريق الوحي ومن خلال شخص رسول الإسلام صلىاللهعليهوآله ، لم يبق مجالٌ للشورى بعد ذلك.
وبعبارة أخرى ، إنّ الشورى يُعمل بها دائماً في المواضيع ، وليس في الأحكام التي صدر حكمها من قبل الله تعالى.
وعلى أيّة حال فإنّ مسألة الشورى التي ذكرت في الإطار المبين أعلاه ، تُعدّ ركناً ومبدأً
__________________
(١) كتاب سيد المرسلين ، ج ٢ ، ص ١٤٢.