جميع النّاس وفي جميع أنحاء البلاد ، ولكن بما أنّ مثل هذا الأسلوب غير ممكن عملياً ، وفضلاً عن أنّ جميع النّاس لايملكون الخبرة اللازمة في جميع المسائل ، فلذلك لا يوجد أيّ حلّ آخر لهذه المسائل سوى أن يُصار إلى انتخاب النواب من قبل النّاس لكي يتشاوروا فيما بينهم ، وما يختاره هؤلاء النواب ـ حيث يمثل حضورهم في ذلك المجلس حضور جميع النّاس ـ ويصادقون عليه ، يعدّ مصداقاً كاملاً وجامعاً للشورى الإسلامية الحقيقية.
وبما أنّ اتفاق جميع الآراء في أغلب المسائل لا يتحقق عادةً ، فلا يوجد حلّ لذلك إلّا من خلال رأي الأكثرية كمعيار ومقياس لذلك ، والذي غالباً ما يكون أقرب إلى الواقع. والأكثرية هنا طبعاً هي الأكثرية المتشكلة من الأفراد المؤمنين والواعين ، سيّما وأنّ افتراضنا مبنيّ على أنّ النّاس وبحكم تكليفهم الديني ينتخبون ممثليهم من الأفراد الذين يمتلكون الصفات اللازمة لهذا الأمر.
وبناءً على ذلك فإنّ ما يُقال إنّ القرآن الكريم يذم الأكثرية في كثير من الموارد ، لا يشمل الموضوع الذي نتحدث عنه قطعاً ، إذ إنّ الأكثرية المقصودة في قوله تعالى : (أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ). (المائدة / ١٠٣)
وقوله تعالى : (أَكْثَرُهُمْ لَايَعْلَمُونَ). (الأنعام / ٣٧)
وقوله تعالى : (أَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ). (التوبة / ٨)
وقوله تعالى : (أكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ). (المؤمنون / ٧٠)
وأمثالها ناظرة إلى الأكثرية في المجتمعات المنحرفة والضالّة لا الأكثرية المؤمنة والعالمة والملتزمة.
إنّ هذه الضمائر وبقرينة ما جاء قبلها ، تعود جميعاً إلى المشركين والجهلاء والمتعصبين وغير الملتزمين ، إذ لم يصرح القرآن أبداً بأن : «أكثر المؤمنين أو أكثر المتقين لا يعلمون ولا يفقهون» ، ولهذا السبب فإنّنا نقرأ في علم الاصول في باب «التعادل والتراجيح» عندما يدور الحديث حول الروايات المتعارضة : إنّ الشهرة بين الفقهاء هي إحدى المرجّحات ، والمشهور هو نفس الاستناد إلى قول أكثرية الفقهاء ، وقد ورد في الحديث : «خُذْ بِما اشتَهَرَ