تجب الحرمة فيما لا يكون منه نسب ، أو في وقت لا يتمكن ، أو بإيجاب الحقوق ، فيجب ألا تجب في مماسة الأمة دون الفرج ، أو للاستمتاع خاصة ؛ فيجب استواء حال السفاح والنكاح.
وقوله ـ عزوجل ـ : (اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ)
قال بعضهم : هو كناية عن الجماع.
لكنه عندنا : الدخول بها : هو أخذه يدها في إدخالها في موضع الخلوة والجماع ، لا نفس الجماع ، كما يقال : فلان دخل بفلان موضع كذا ، لا يراد به عين الدخول به المعروف ، وهو أخذ اليد والدخول فيه ؛ لذلك قلنا بأنه إذا أدخلها في موضع وخلا بها ، وجب كمال المهر بظاهر الآية ، ووجبت الحرمة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ أيضا : (اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) كنى به عن الجماع من حيث لا يكون الجماع إلا بالدخول بها مكانا يسترهما ، وإلا فحقيقة الدخول بآخر ليس بجماع ، ولا يصلح القول به مطلقا دون ذكر المكان ، إلا في المرأة بما يعلم أنها لما ذا يدخل؟ وفيم يدخل؟ فجائز أن يكون في الحرمة على حق الكناية ، والمراد منه الجماع ، وجائز على حقيقة الدخول بها مكانا لذلك ؛ إذ هو الظاهر ، وهذا الثاني يكون بأخذ يدها أو شيء منها ؛ ليكون هو الداخل بها لا هي ، ووجوده لا يكون إلا للشهوة ؛ فيكون هو المذكور للحرمة ، فإذا لم يظهر حقيقة المراد يجب الاحتياط في إيجاب الحرمة من كل وجه ، أو تحقيق هذا ؛ إذ هو أظهر له ، وله أدلة ثلاثة :
أحدها : ما روي : «ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها» (١) أنه أوجب اللعن بالنظر ، فلو لا أن نظر الأول قد حرم الثاني لم يلحقه به اللعن ، ثم النظر دون اللمس في العبادات والأحكام ، فاللمس أحق في إيجاب الحرمة.
والثاني : ما بينا أن علة الحرمة الاستمتاع ، ومعلوم أن معناه في القبلة والمباشرة أعلى منه في السبب الذي يقضى به الاستمتاع ، وهو النكاح ، وقد أوجب له ، فالقبلة أحق أن يوجب لها ، وذلك كما أوجب بسبب الحدث ـ وهو النوم ـ حكمه ، ثم لا يجب إلا في
__________________
(١) أخرجه الدارقطني (٣ / ١٨٨) : كتاب النكاح ، رقم (٩٢) ، ولفظه : «لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها» ، عن عبد الله بن مسعود ، قال الدارقطني : موقوف ، وليث وحماد ضعيفان.
وليث هو ابن أبي سليم ، وحماد هو ابن أبي سليمان وهما ضعيفان.
قال الحافظ ابن حجر في التقريب ـ ترجمة (١٥٠٨) ـ عن حماد : فقيه صدوق له أوهام ، ورمي بالإرجاء.
وقال في ترجمة (٥٧٢١) عن ليث : صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه ؛ فترك.