وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا)(١) :
قال بعض أهل العلم : إن قوله ـ تعالى ـ : (أَلَّا تَعْدِلُوا) : من كثرة العيال ، وهو قول الشافعي ـ رحمهالله تعالى ـ ولكن (٢) هذا لا يستقيم في اللغة ؛ لأنه يقال من كثرة العيال : أعال يعيل إعالة ؛ فهو معيل ، ولا يقال : عال يعول ، وإنما يقال (٣) ذلك في الجور.
فإن قيل : روي في الخبر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ابدأ بمن تعول» (٤) لكن تأويله ـ والله أعلم ـ : ابدأ بمن يلزمك نفقته ، أي : ابدأ بمن تصير جائرا بترك النفقة عليه ، وكذلك يقال : عال يعول عولا ؛ إذا أنفق على عياله ، وليس من كثرة العيال في شيء ، ألا ترى أن على الرجل أن يبدأ بمن يعول ؛ فلو كان قوله : (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا)(٥) من العيال ؛ لكان المتزوج واحدة ذا عيال ، وإن قول الله ـ تعالى ـ : (أَلَّا تَعُولُوا) ، والمتزوج واحدة يعولها ؛ فدل بما ذكرنا أن قوله : (أَلَّا تَعُولُوا) ، أي : لا تجوروا ولا تميلوا ؛ على ما قيل.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : (أَلَّا تَعُولُوا) : ألا تميلوا (٦).
__________________
(١) قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ٣٠) : تنبيهان :
الأول : قال بعض المفسرين : دلت الآية على أنه يجب بالنكاح حقوق ، وتدل على أن من خشي الوقوع فيما لا يجوز قبح منه ما دعا إلى ذلك القبيح ؛ فلا يجوز لمن عرف أنه يخون مال اليتيم إذا تزوج أكثر من واحدة أن يتزوج أكثر ، وكذا إذا عرف أنه يخون الوديعة ولا يحفظها ؛ فإنه لا يجوز له قبول الوديعة. وتدل على أن العدل واجب بين الزوجات ، وأن من عرف أنه لا يعدل فإنه لا تحل له الزيادة على واحدة. وتدل على أن زواجه الصغيرة من غير أبيها وجدها جائز ، وللفقهاء مذاهب في ذلك معروفة.
الثاني : في سر ما ترشد إليه الآية من إصلاح النسل.
(٢) في ب : لكن.
(٣) في ب : القول.
(٤) أخرجه البخاري (٤ / ٤٦) في الزكاة : باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى ، (١٤٢٧) ومسلم (٢ / ٧١٧) في كتاب الزكاة باب بيان أن اليد العليا خير من السفلى ، وأن اليد العليا هي المنفقة ، وأن السفلى هي الآخذة (١٠٣٤) ، والنسائي (٨ / ٥٥) في القسامة : باب هل يؤخذ أحد بجريرة أحد ، والحاكم (٢ / ٦١١ ـ ٦١٢) ، وعنه البيهقي في الدلائل (٥ / ٣٨١) ، والدارقطني (٣ / ٤٤ ـ ٤٥) ، والطبراني في الكبير (٨١٧٥) ، وابن أبي شيبة في مصنفه (١٤ / ٣٠٠) مختصرا.
(٥) قال القرطبي (٥ / ١٦) : وهو عائل ، وقوم عيلة ، والعيلة والعالة الفاقة ، وعالني الشيء ، يعولني إذا غلبني وثقل عليّ ، وعال الأمر : اشتد وتفاقم. قال الثعلبي : وما قال هذا غيره ؛ وإنما يقال : أعال يعيل إذا كثر عياله. وزعم ابن العربي أن «عال» على سبعة معان لا ثامن لها ، يقال : عال مال ، الثاني : زاد ، الثالث : جار ، والرابع : افتقر ، الخامس : أثقل ، حكاه ابن دريد ؛ قالت الخنساء : ويكفي العشيرة ما عالها. السادس : عال قوم بمئونة العيال ، ومنه قوله ـ عليهالسلام ـ (وابدأ بمن تعول). السابع : عال : غلب ، ومنه : عيل صبره : أي غلب ، ويقال : أعال الرجل : كثر عياله. وأما «عال» بمعنى : كثر عياله ، فلا يصح.
(٦) أخرجه ابن جرير عن مجاهد (٧ / ٥٤٩ ـ ٥٥٢) (٨٤٨٧) ، (٨٤٩٠) ، (٨٥٠٤) ، وعن عكرمة ـ