لكنه معلوم أن الحد في عدد النساء ؛ لخوف الجور ، وبما علم الله من عجز البشر على ما جبل عليه ، أخبر أنه لا يقوم بوفاء الحق في أكثر [من] ما ذكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً)
ليس على الحكم والحتم ؛ ولكنه أدب ؛ لأنه وإن خاف ألا يعدل فتزوج أربعا ـ جاز ، وهو مثل الذي نهى ـ في الإصرار ـ المراجعة ، وأمر بالقصد فيها والعدل ، فإن فعل ذلك أثم ورجعته صحيحة ، وكذلك كالأمر بالطلاق في العدة (١) ، والنهي [عنه](٢) في غير العدة ، ثم إذا طلق في غير العدة وقع ؛ فكذلك [الأول.
وقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) : في القسم (٣) والجماع والنفقة (٤).
(فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)](٥) إن خفتم ألا تعدلوا في واحدة ؛ لأنه ليس للإماء قبل سادتهن حقّ الجماع والقسم ؛ ينكح ما شاء ؛ كأنه قال هذا ؛ لما ليس لأكثرهن غاية ؛ فله أن يجمع ما شاء من الإماء في ملكه ، وليس له أن يجمع بالنكاح أكثر من أربع ، ولو كان التأويل ما ذهب إليه لم يكن لقوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) وجه.
وفيه إذن بتكثير العيال ، مع ما أن كثرة العيال معدودة من الكرم ؛ إذا أحسن إليهم لم يحتمل أن يزهد فيه.
__________________
(١) وذلك لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ .....) الآية [الطلاق : ١].
(٢) سقط من ب.
(٣) القسم بفتح القاف مع سكون السين ، بمعنى : العدل بين الزوجات في المبيت. ينظر : لسان العرب [قسم]. وفي الآية التي معنا دليل على القسم ؛ إذ نهي جل شأنه عن الجمع بين اثنتين أو أكثر ؛ عند خوف عدم العدل فيما إذا اجتمعتا أو اجتمعن ؛ علم أن العدل واجب ، ومن العشرة ـ أيضا ـ بالمعروف : تأدية حقها ، والعدل بينها وبين غيرها في المبيت.
(٤) قال القرطبي (٥ / ١٥) : قال الضحاك وغيره : في الميل والمحبة والجماع والعشرة والقسم بين الزوجات الأربع والثلاث والاثنين ، (فواحدة) فمنع من الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل في القسم وحسن العشرة وذلك دليل على وجوب ذلك.
(٥) ما بين المعقوفين سقط من ب.
قال القرطبي في تفسيره (٥ / ١٥) : يريد الإماء ، وهو عطف على «فواحدة» أي : إن خاف ألا يعدل في واحدة فمما ملكت يمينه. وفي هذا دليل على أن لا حق لملك اليمين في الوطء ولا القسم ؛ لأن المعنى «فإن خفتم ألا تعدلوا» في القسم «فواحدة أو ما ملكت أيمانكم» فجعل ملك اليمين كله بمنزلة واحدة ؛ فانتفى بذلك أن يكون للإماء حق في الوطء أو في القسم. إلا أن ملك اليمين في العدل قائم بوجوب حسن الملكة والرفق بالرقيق. وأسند ـ تعالى ـ الملك إلى اليمين ؛ إذ هي صفة مدح ، واليمين مخصوصة بالمحاسن لتمكنها ؛ ألا ترى أنها المنفقة؟! كما قال ـ عليهالسلام ـ : (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) وهي المعاهدة المبايعة ، وبها سميت الألية يمينا ، وهي المتلقية لرايات المجد.