عندكم؟ أليس عندكم التوبة : التجاوز والدعاء؟ فإذا وعد أن يتوب ولم (١) يفعل ـ فهل ترك ذلك لا بعجز أو ذلك إلا لعجز أو بداء به ، أو ذلك الوصف له بالعجز أو الجهل ، فنعوذ بالله من الزيغ عن الحق ، والسرف في القول.
وأما تأويله عندنا : والله يريد أن يتوب عليكم في الذي علمه أنهم يتوبون ، أو كان ذلك إخبارا عن قوم أراد الله أن يتوب عليهم فتابوا.
وقال قوم : قوله : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي : يأمر أن يتوبوا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) الآية
[أي](٢) : من اختار الدنيا على الدين ، والأولى على الآخرة ؛ لهوى يتبعه ، وشهوة تغلبه ، لا لتقصير من الله ـ عزوجل ـ عن البيان ؛ بل لتركهم النظر والتأمل بالعواقب غلبت عليهم شهواتهم ، واتبعوا أهواء أنفسهم : إما رئاسة طلبوها ، وإما سعة في الدنيا بغوها ؛ فذلك الذي يمنعهم عن النظر في العاقبة ، والتأمل في الآخرة ؛ لذلك مالوا ميلا عظيما ، وخسروا خسرانا مبينا ، وضلوا ضلالا بعيدا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ)(٣) يحتمل هذا : أنه خفف علينا ، ولم يحمل ما حمل على الأمم السالفة من الإصر والشدائد والأثقال والمشقات ، مما جعل
__________________
ـ في يد الغاصب ـ كان بمنزلة الملابس لفعل الغصب ، والتوبة عن المعصية لا تصح بدون الإقلاع عنها ؛ كما صرح به في بعض الكتب.
وأما عدم العود فقد قال الآمدي : إن التوبة مأمور بها ؛ فتكون عبادة ، وليس من صحة العبادة الواقعة في وقت ـ عدم المعصية في وقت آخر ؛ بل غاية الأمر أنه إذا تاب عن ذنبه ، ثم ارتكبه ـ يجب عليه توبة أخرى عما ارتكبه.
وأما استدامة الندم فقد قال الآمدي يلزم على تقدير شرط استدامة الندم الخروج ، وأنه يجب لمن نسي الندم إعادة التوبة ؛ لفقد شرط التوبة الأول وهو الاستدامة. وهو خلاف الإجماع ، وبعض العلماء أوجب تجدد التوبة كلما تذكر الذنب ، وهو باطل أيضا ؛ لأنا نعلم بالضرورة أن الصحابة كانوا يتذاكرون ما كانوا عليه في الجاهلية من الكفر ، ولا يجددون الإسلام ؛ فكذا الحال في كل ذنب وقعت التوبة عنه. ينظر نشر الطوالع ص (٣٦٣ ـ ٣٦٩).
(١) في ب : فلم.
(٢) سقط في ب.
(٣) قال القرطبي (٥ / ٩٨) : قيل : هذا في جميع أحكام الشرع ، وهو الصحيح. وقيل : المراد بالتخفيف نكاح الأمة ، أي لما علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء ؛ قاله مجاهد وابن زيد وطاوس. قال طاوس : ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء. واختلف في تعيين المتبعين للشهوات ؛ فقال مجاهد : هم الزناة. السدي : هم اليهود والنصارى ، وقالت فرقة : هم اليهود خاصة ؛ لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب. وقال ابن زيد : ذلك على العموم ، وهو الأصح ، والميل : العدول عن طريق الاستواء ؛ فمن كان عليها أحب أن يكون أمثاله عليها حتى لا تلحقه معرة.